للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجد بالجد والحرمان في الكسل ... فانصب تصب عن قريب غاية الأمل

إليك صبر وهمة أحدهم، ولعل قلبك يتحرك وأنت تتخيل المخاطر والأهوال التي يلاقيها والمصاعب التي يواجهها؛ فقد سافر الخطيب التبريزي من تبريز إلى معرة النعمان، وأخذ معه كتاب تهذيب اللغة للأزهري ليقرأه على عالم مشهور في معرة النعمان، ووضع الكتاب في جراب له وحمله على ظهره، وكان رحمه الله فقيراً لا مال له، فلم يقدر على استئجار دابة ليركبها، فقطع المسافة ماشياً على رجليه في شدة الحر والقيظ والرمضاء، حتى أنه من كثرة العرق الذي تصبب منه في شدة الحر في هذه الرحلة تسرب البلل من ظهره إلى ثيابه ومن ثيابه إلى الجراب الذي فيه الكتاب، ووصل البلل إلى الكتاب فأثر في الخبر وأفسد بعض الكلمات حتى أن من رأى الكتاب يظنه قد غمس في ماء، وما هو إلا عرق الخطيب التبريزي (١).

والسؤال نحو القارئ الحبيب: كم قطرة عرق نزلت من على جبينك طوال سنوات تحصيلك العلمي؟ ! بل وكم سنة تغربت في طلب حديث أو تفسير آية؟ !

هذا إمام أهل السنة الإمام أحمد قد طلب الحديث وهو ابن ست عشرة سنة، وخرج إلى الكوفة سنة ثلاث وثمانين ومائة، وهو أول

سفر له، وخرج إلى البصرة سنة ست وثمانين، وخرج إلى سفيان

ابن عيينة إلى قلة سنة سبع وثمانين، وهي أول سنة حج فيها الإمام أحمد،


(١) وفيات الأعيان ٢/ ٢٣٣.

<<  <   >  >>