ولقد كان حديث الإفك من أشد وأصعب ما واجهت عائشة - رضي الله عنها - في حياتها ومن أقسى ما تعرض له بيت النبوة إلى أن تنزلت آيات الله - تعالى - في سورة النور تكشف الغمة وتبددها.
فلقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جيش من المسلمين في المدينة إلى ديار بني المصطلق لتأديبهم ومعاقبتهم على ما كان منهم وكان سهم الخروج من نصيب عائشة من بين أزواجه. وحين تم النصر للمسلمين على بني المصطلق الذين لقوا جزاء غدرهم ونفاقهم ووزعت الغنائم والأسلاب وقد التقى عند حوض المساء كان يستقي من المسلمين أحد الأنصار وأحد المهاجرين فتزاحما وتنافرا وكاد خصامهما يؤدي إلى اشتباك بين المؤمنين. ومما زاد في تأجيج نار الفتنة ما قاله رأس المنافقين عبد الله بن أبي سلول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنَّ الأعز منها الأذل.
وسمع أحد المسلمين تلك المقالة وشهد الحادثة ومن ثم رأى بوادر الفتنة فأسرع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقل له الخبر وما قاله ابن سلول فرأى - عليه الصلاة والسلام - أن من الحكمة أن يشغل الناس عن الفتنة بالمسير على الفور بعد أن أقاموا للاستراحة. في أثناء ذلك كانت عائشة قد خرجت من خبائها لقضاء حاجة بعيدًا عن معسكر المسلمين وهي لا تدري من أمر ما يحدث شيئًا وابتعدت كثيرًا وحين رحل المسلمون رفع هودجها من مكانه ظنًا من قائده أنها بداخله ومضى المسلمون في طريقهم إلى المدينة.