للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

درجته ا. هـ. (١) وأعظم البلايا على هذه الأمة هو ترك تعلمهم ما أمروا بتعلمه حتى يعملوا على وفق العلم، وزادوا على هذا الخطر العظيم تعليمهم


(١) قوله وأعظم ... إلخ، هو كما قال ولن يزال الأمر في إدبار وسقوط، وعلى قدر الصعود يكون الهبوط ولا بد من تحقق وقوع الوارد في يوم ما، ومن قبض العلم يقبض العلماء والذي قدمه الشيخ حفظه الله نقطة من بحر في جنب الواقع من البدع؛ لأن الدنيا آن ارتحالها، وهي لا تقوم إلا على لكع بن لكع، بل ما ذكره هو معدود الآن عند عامة من عنده شيء من التمسك بالدين من ابتداع أهل الهدى، ولذا لم يحم حول ساحل بحر أهل الردى، وفي جواهر الشعراني عن شيخه سيدي علي الخواص أن انتهاء سير شمس الشريعة وسلطان العمل بها على نقطة مركزها إلى سنة ٤٦٠ من الهجرة فذاك وقت استواؤها، ثم مالت بعد ذلك شيئا فشيئا إلى الزوال حتى وصلت أرض العلم والجدل من غير عمل، ولا تزال الشريعة ظاهرة يحكم بها إلى ثلاثين سنة من القرن الحادي عشر، ثم يختل نظامها الأكبر وتكون كعقد انقطع سلكه فترفع الرحمة، وتفقد علوم الشريعة والحقيقة بقبض أصحابها وينتشر الظلم والجور حتى في خواص الناس، وتكثر الدعاوى بغير حق حتى في خواصنا ويخرجون بنفوسهم لدعوة الحق إلى غير الحق كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة، بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة كلا بل لا يخافون الآخرة، وكيف يخاف من صمت أذناه وعميت عيناه بحلول الشيطان ووساوس الحرمان حتى صار لا يسمع قول الحق على لسان رسول الحق {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} وكيف يدعي الوصول من هو عن عبوديته الكاملة مفصول، وكيف يدعي اتصال من هو على الحقيقة في انفصال ا. هـ.
فانظر وفقني الله وإياك وتولى هداي وهداك في ما قاله هذا على أهل زمان سنة ١٠٣٠ فكيف بنا أهل زمان سنة ١٣٤٠ مع تأخرنا عنهم ٣١٠ سنة على ما نحن عليه من الخطر المحدق بنا والأهوال ولذا لا تؤثر فيهم معاول
الإنذار والوعيد ومن يطمع في إلانة ما برد من الحديد
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي ... ونار لو نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في الرماد
فالاحتجاج على من رسخ من أهله في الضلال بنحو يلزمكم نقض قواعد الفروع أو الأصول؛ لأن الله قال كذا أو كذا قال الرسول مع قوله لك: دليلي قول المسيو فلان ما أراه معهم إلا من قبيل العبث والفضول؛ لأنهم ليس لهم من صبغة أهل الإسلام إلا التلفظ بالشهادتين والسلام، ولذا كثيرا ما يحتج علينا المسيحيون بأننا لم نركم خالفتمونا في شيء مما حرمه عليكم شرعكم كما تزعمون، فإن قال قائلهم: يكفينا النطق بالشهادتين الدال على التصديق والإيمان قلنا لهم الإيمان كشجرة سقيها بالأعمال الصالحة كي ترسخ عروقها في الثرى وتزكو الثمرة والظلال عن الأغصان، وإلا فمن يضمن بقاء شجرة بدون سقي ولا ري؛ إذ لا بد في يوم ما أن لا يبقى على وجه الأرض منها شيء، وهي في كل حين عرضة لكل عطب.
إذا العود لم يثمر وإن كان شعبة ... من المثمرات اعتده الناس للحطب
فاستدعاء هؤلاء للوقوف على الحدود الذي جاء بها عليه الصلاة والسلام، إنما هو نعيق وراء الأنعام ولعل آية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} هذا هو زمانها الموعود الذي رواه جلة الصحابة رضي الله عنهم كابن مسعود حين سألوه عليه الصلاة والسلام عنها فقال: لهم ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام، وإن من ورائكم أياما الصبر فيهن كقبض على الجمر للعامل منهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله، وما أرى الآن شيئا مفقودا من هذه الخصال كما جزم بذلك من قال
هذا الزمان الذي كنا نحاذره ... في قول كعب وفي قول ابن مسعود
دهر به الحق مردوده بأجمعه ... والظلم والبغي فيه غير مردود
أعمى أصم من الأزمان ملتبس ... فيه لإبليس تصويب وتصعيد
إن دام هذا ولم يحدث له غير ... لم يبك ميت ولم يفرح بمولود
ويؤيد ما ذكره العيان فإنه أقوى برهان، وها نحن بيننا وبين السلامة مراحل إذا مسينا في لجة يم المهلكات والغموم دون الساحل فناد نداء المضطر في الظلمات لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فعسي أن تحفك العناية ويصدق عليك فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين، اللهم إنا نتوسل إليك بحبيبك إنسان عين الوجود والسبب في كل موجود صلى الله عليه وسلم وعلى آله والأصحاب أن لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، وارزقنا التوفيق للأعمال الصالحة مع الإخلاص وأمنا يوم الفزع الأكبر فلا نؤخذ بالأقدام والنواصي، وإلى هنا تذييل الأجوبة الكافية عن الأسئلة الشامية كان المنتهى وذلك في ضحوة اليوم الذي بين يوم بدء الخلق والانتهاء، سادس عشر جمادى الأولى من سنة ألف وثلاثمائة وأربعين من هجرة من أرسله الله رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وذلك بجوار الرياض الأزهرية من الديار المصرية بقلم الراجي من الله له ولأحبابه مع السلامة نيل الأماني في دار التهاني أبي القاسم بن محمد باري التجاني
يا ناظرا في الكتاب بعدي ... مجتنيا من ثمار جهدي
بي افتقار إلى دعاء ... تهديه لي في ظلام لحدي

<<  <   >  >>