والعناصر والنباتات والمعادن والحيوانات وكل ناشئ بطريق العلة، لا بطريق الاختيار، وهذا مذهب الفلاسفة الأولى، وتعريف العلة عندهم: أن يصدر عنها معلولها بدون شرط ولا انتفاء مانع؛ كصدور ضوء الشمس عن جرمها، وحركة الخاتم عن حركة الإصبع.
ومنهم من يعتقد أن صدور العالم عن الطبيعة، وهي أن يصدر عنها مطبوعها، لكن مع توفر الشروط وانتفاء الموانع، ويمثلون لها بالنار، فإنها تؤثر الإحراق في الحطب مثلا، بشرط اتصالها به وانتفاء البلل مثلا، واشترك كل منهما في عدم الاختيار.
ومنهم من يقول: إن هذا العالم وجد اتفاقيا بدون مؤثر من علة وطبيعة وفاعل مختار. ومنهم من يقول: إن وجود هذا العالم ناشئ من فاعل مختار في جميع أفعاله، إن شاء فعل، وإن شاء ترك، موصوف بكل كمال، منزه عن كل نقص، غير أنهم اختلفوا في ربط الأسباب بمسبباتها، وفي أفعال العبد الاختيارية. وتفصيلها يعلم من كتب أصول الدين فراجعها إن شئت، فالفرق الثلاث الأولى كافرة بلا ريب ولا اختلاف، والفرقة الرابعة هي الكاملة في الاعتقاد الناجية عند ربها، حسب التفصيل المشار إليه.
إذا علمت هذا فطبق اعتقاد الجماعة الذين يتعاطون قراءة علم الطبيعة، فإن اعتقدوا أنها هي المؤثرة فلا اختلاف في كفرهم، ويطالبون بالتوبة إن كانوا مسلمين قبل، وإن اعتقدوا أن المؤثر هو الله تعالى، وإنما تلك الارتباطات الواقعة بين الأشياء خصوصيات أوجدها الله تعالى، يصح تخلفها كتخلف الإحراق عن سيدنا إبراهيم -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- وغير ذلك من الأسباب العادية، فهذا القبيل من عداد المسلمين، ولا يضره تعلم ذلك إن شاء الله تعالى، وفي هذا القدر كفاية لمن له