[كلام الذهبي عما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما]
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء في الذي جرى بين معاوية وعلي رضي الله تعالى عنهما:(وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ويفضلونه، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء، وإما قد ولدوا في الشام على حبه، وتربى أولادهم على ذلك، وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق، ونشئوا على النصب -نعوذ بالله من الهوى- كما قد نشأ جيش علي رضي الله عنه ورعيته إلا الخوارج منهم على حبه، والقيام معه، وبغض من بغى عليه، والتبرؤ منهم، وغلا خلق منهم في التشيع.
فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا غالياً في الحب مفرطاً في البغض؟! ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال؟! فنحمد الله على العافية، الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق، واتضح من الطرفين، وعرفنا مآخذ كل واحدة من الطائفتين، وتبصرنا فعذرنا واستغفرنا، وأحببنا باقتصاد، وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة، أو بخطأ إن شاء الله مغفور، وقلنا كما علمنا ربنا:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[الحشر:١٠]، وترضينا أيضاً عمن اعتزل الفريقين: كـ سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، وسعيد بن زيد وخلق، وتبرأنا من الخوارج المارقين، الذين حاربوا علياً، وكفروا الفريقين، فالخوارج كلاب النار قد مرقوا من الدين، ومع هذا فلا نقطع لهم بخلود في النار كما نقطع به لِعَبَدَة الأصنام والصلبان).
وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا}[الإسراء:٣٣]: (وقد أخذ الحبر ابن عباس من عموم هذه الآية الكريمة ولاية معاوية السلطة، وأنه سيملك؛ لأنه كان ولي عثمان، وقد قتل عثمان مظلوماً رضي الله تعالى عنه، وكان معاوية يطالب علياً رضي الله عنه أن يسلمه قتلته حتى يقتص منهم؛ لأنه أموي، وكان علي رضي الله تعالى عنه يستمهله في الأمر حتى يتمكن ويفعل ذلك، ويطلب علي من معاوية أن يسلمه الشام، فيأبى معاوية ذلك حتى يسلمه القتلة، وأبى أن يبايع علياً هو وأهل الشام، ثم مع المطاولة تمكن معاوية، وصار الأمر إليه كما قاله ابن عباس واستنبطه من هذه الآية الكريمة، وهذا من الأمر العجب!) انتهى كلام ابن كثير رحمه الله.