وأما ابن رضوان الذي ذكره الرَّحَوي في قصيدته، فهو أبو القاسم عبد الله بن
يوسف بن رضوان النجاري؛ أصله من الأندلس، نشأ بمالقة، وأخذ عن مشيختها، وحذق في العربية والأدب، وتفنَّن في العلوم، ونظم ونثر، وكان مجيداً في الترسيل، وحسناً في كتابة الوثائق؛ وارتحل بعد واقعة طريف، ونزل بسبتة، ولقي بها السلطان أبا الحسن، ومدحه، وأجازه، واختص بالقاضي إبراهيم بن أبي يحيى، وهو يومئذ قاضي العساكر، وخطيب السلطان، وكان يستنيبه في القضاء والخطابة؛ ثم نظمه في حلبة الكتاب بباب السلطان؛ واختص بخدمة عبد المهيمن رئيس الكتاب، والأخذ عنه، إلى أن رحل السلطان إلى إفريقية، وكانت واقعة القيروان، وانحصر بقصبة تونس من انحصر بها، من أشياعه مع أهله وحرمه. وكان السلطان قد تخلف ابن رضوان هذا بتونس في بعض خدمه، فجلى عند الحصار فيما عرض لهم من المكاتبات وتولى كبر ذلك، فقام فيه أحسن قيام إلى أن وصل السلطان من القيروان، فرعى له حق خدمته، تأنيساً، وقرباً، وكثرة استعمال، إلى أن ارتحل من تونس في الأسطول، إلى المغرب سنة خمسين كما مر. واستخلف بتونس ابنه أبا الفضل وخلف أبا القاسم بن رضوان كاتباً له، فأقام كذلك أياماً. ثم غلبهم على تونس سلطان الموحدين الفضل ابن السلطان أبي يحيى. ونجا أبو الفضل إلى أبيه، ولم يطق ابن رضوان الرحلة معه، فأقام بتونس حولاً، ثم ركب البحر إلى الأندلس، وأقام بالمرية مع جملة (مَن) هنالك من أشياع السلطان أبي الحسن؛ كان فيهم عامر بن محمد بن علي شيخ هِنْتاَتة، كافلاً لحرم السلطان أبي الحسن؛ وابنه، أركبهم السَّفِينَ معه من تونس عندما ارتحل، فخلصوا إلى الأندلس، ونزلوا بالمرية، وأقاموا بها تحت جراية سلطان الأندلس،