فلحق بهم ابن رضوان، وأقام معهم. ودعاه أبو الحجاج سلطان الأندلس إلى أن يستكتبه فامتنع، ثم هلك السلطان أبو الحسن، وارتحل مخلفه الذين كانوا بالمرية. ووفدوا على السلطان أبي عنان. ووفد معهم ابن رضوان، فرعى له وسائله في خدمة
أبيه، واستكتبه، واختصه بشهود مجلسه، مع طلبة العلم بحضرته؛ وكان محمد بن أبي عمرو يومئذ رئيس الدولة، ونجي الخلوة، وصاحب العلامة، وحسبان الجباية والعساكر، قد غلب على هوى السلطان، واختص به، فاستخدم له ابن رضوان حتى غلق منه بدمه. ولاية وصحبه، وانتظاماً في السمر، وغشيان المجالس الخاصة، وهو من ذلك يدنيه من السلطان. وينفق سوقه عنده، ويستكفي به في مواقف خدمته إذا غاب عنها لما هو أهم، فحلي بعين السلطان، ونفقت عنده فضائله. فلما سار ابن أبي عمرو في العساكر إلى بجاية، سنة أربع وخمسين، انفرد ابن رضوان بقلم الكتاب عن السلطان. ثم رجع ابن أبي عمرو، وقد سخطه السلطان، فأقصاه إلى بجاية وولاه عليها، وعلى سائر أعمالها، وعلى حرب الموحِّدين بقُسَنْطينة. وأفرد ابن رضوان بالكتابة، وجعل إليه العلامة، كما كانت لابن أبي عمرو، فاستقل بها، موفر الاقطاع، والإسهام، والجاه؛ ثم سخطه آخر سبع وخمسين، وجعل العلامة لمحمد بن أبي القاسم بن أبي مَدْيَن، والإنشاء والتوقيع لأبي إسحق إبراهيم بن الحاج الغرناطي. فلما كانت دولة السلطان أبي سالم، جعل العلامة لعلي بن محمد بن سعود صاحب ديوان العساكر، والإنشاء والتوقيع والسر لمؤلف الكتاب عبد الرحمن بن خلدون؛ ثم هَلكَ أبو سالم سنة اثنتين وستين، واستبد الوزير عمر بن عبد الله