[بيان معنى قوله تعالى (ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه)]
ثم قال تعالى:{لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ}[الأنعام:١٢]، والذي أقسم هنا هو رب العالمين، وهو -جل وعلا- أصدق القائلين.
ويتحرر من هذا أن أصدق القائلين أقسم على أن هناك جمعاً، فمن أعظم اليقينيات الكبرى في حياتنا أن هناك بعثاً ونشوراً، فإن قيل لنا: لماذا؟ قلنا: لأن أصدق القائلين جل جلاله أقسم على أن هناك جمعاً وبعثاً ونشوراً فقال تعالى: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ}[الأنعام:١٢]، وهذه اللام هي لام القسم.
وهناك لامات أخر، منها لام الجحود، ولام الجحود كائنة في القرآن كثيراً، تأتي في خبر كان المنفية، كقول الله تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى}[هود:١١٧]، فـ (كان) سبقت بـ (ما) النافية، فأصبحت (كان) هنا منفية، و (رب) اسمها، والكاف مضاف إليه، و (يهلك) خبرها جملة فعلية، فسبق الفعل باللام، وهذه اللام اصطلح أهل النحو على تسميتها بلام الجحود.
وهناك لام أخرى اسمها: اللام المزحلقة، أي: استقر في الذهن أنها تحركت من من مكان إلى مكان، فيقولون: إن (إن) التوكيدية التي تنصب اسمها وترفع الخبر إذا جاءت اللام في خبرها فإن الأصل أن هذه اللام كانت موجودة في الاسم، فانتقلت من الاسم إلى الخبر، ولذلك أسموها اللام المزحلقة، وأحياناً لا تعمل (إن)، بل تخفف، فإذا خففت دخلنا في إشكال، وهو أنه يوجد (إن) نافية تعمل عمل (ليس)، فإذا خففت (إن) اشتبهت مع (إن) النافية، فوجب التفريق بينهما، فيأتون باللام في خبر (إن) المهملة، ويسمونها اللام الفارقة، قال الله -وهو أصدق القائلين- في القرآن:{وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ}[المؤمنون:٣٠]، فـ (إن) هنا ليست نافية، وإنما هي مخففة من (إن)، ولذلك جاءت اللام في خبرها، وأصلها هي اللام المزحلقة، ولكن لما خففت (إن) أصبحت اللام تسمى اللام الفارقة.