للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فتحاكموا في ذلك إلى الملك عمرو بن هند، فقال عمرو: ما كنت لأحكم بينكم حتى تأتوني بسبعين رجلا من أشراف بكر ابن وائل فأجعلهم في وثاق عندي، فإن كان الحق لبني تغلب دفعتهم إليهم، وإن لم يكن لهم حق خليت سبيلهم، ففعلوا، وتواعدوا ليوم بعينه يجتمعون فيه، فقال الملك لجلسائه: من ترون تأتي به تغلب لمقامها هذا؟ فقالوا: شاعرهم وسيدهم عمرو بن كلثوم، قال: فبكر بن وائل؟ فاختلفوا عليه، وذكروا غير واحد من أشراف بكر بن وائل، قال: كلا والله لا تفرج بكر بن وائل إلا عن الشيخ الأصم يعثر في ريطته فيمنعه الكرم من أن يرفعها، حتى يرفعها قائده فيضعها على عاتقه، فلما أصبحوا جاءت تغلب يقودها عمرو بن كلثوم حتى جلس إلى الملك، وقال الحارث بن حلزة لقومه: إني قد قلت خُطبة فمن قام بها ظفر بحجته وفلج على خصمه، فرواها ناسا منهم، فلما قاموا بين يديه لم يرضهم، فحين علم إنه لا يقوم بها أحد مقامه قال لهم: والله إني لأكره أن آتي الملك فيكلمني من وراء سبعة ستور، وينضح أثري بالماء إذا انصرفت عنه - وذلك لبرص كان به - غير أني لا أرى أحدا يقوم بها مقامي،

وأنا محتمل ذلك لكم، فانطلق حتى أتى الملك، فلما نظر إليه عمرو بن كلثوم قال للملك: أهذا يناطقني وهو لا يُطيق صدر راحلته؟ فأجابه الملك حتى أفحمه، وأنشد الحارث قصيدته:

آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ ... رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثوَاءُ

وهو من راء سبعة ستور، وهند تسمع، فلما سمعتها قالت: تالله ما رأيت كاليوم قط رجلا يقول مثل هذا القول يُكلم من وراء سبعة ستور، فقال الملك: ارفعوا سترا، ودنا، فما زالت تقول ويرفع ستر فستر حتى صار مع الملك على مجلسه، ثم أطعمه من جفنته، وأمر أن لا يُنضح أثره بالماء، وجزَّ نواصي السبعين الذين كانوا في يديه من بكر، ودفعها إلى الحارث، مره أن لا يُنشد

<<  <   >  >>