للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصورة الثانية]

عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: ((ولد الزنا شر الثلاثة))، فسمعت عائشة رضي الله عنها وأرضاها هذا الحديث فاحتجت بنفس الآية {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤]، المرأة زنت وحملت الجنين، فكيف نقول: إن هذا هو شر الناس؟ لأنه إذا كان كذلك فلا يؤمّنّ القوم، ولا يكون خليفةً، ولا يكون رأساً في الناس، ولا يكون معلماً، وقد وردت الأدلة بأسانيد صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه يمكن أن يكون أماماً، ويمكن أن يكون خليفة؛ لأنه لا ذنب له بما جنت أمه، ولا يمكن أن يؤخذ بجريرة الرجل الذي زنى بأمه، فقد قال الله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤].

ولذلك ابن عباس نظر في هذا الحديث أيضاً وأصل لنا نفس الأصل فقال: كيف يقولون هذا؟ لو كان كذلك لقتله النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بطن أمه؛ لأنه لا يستحق الجنة فهو شر الثلاثة، فالأولى له أن يموت وهو في بطن أمه، ويشير ابن عباس بذلك إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة جاءت فقالت: يا رسول الله! إني حبلى من الزنا فطهرني، فقال: ارجعي حتى تضعي، فلما وضعت الجنين جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: قد وضعته فطهرني يا رسول الله! فقال: ارجعي فأرضعيه، فلو كان ليس له مكانة بين الناس لما فعل بها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولقتل المرأة رجماً، وقتل جنينها في بطنها؛ لأنه لا يستحق أن يعيش فهو سيكون في النار لأنه شر الثلاثة.

فانظروا إلى ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه فبعد أن أخذ المتن عرضه على الحديث، وهذا هو المقياس الثاني الذي سنتكلم عنه، وعرضه أيضاً على الكتاب، وعلى نفس الآية ((وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)) [الأنعام:١٦٤].

فهذا أصل أصله الصحابة لمعرفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا عكس، فلا يمكن أن نقول: إن القرآن إذا شهد لمتن من متون الحديث أن ذلك يقويه على الراجح من أقوال أهل العلم، مثل شهادة القرآن لحديث: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)، والآية التي تقويه هي: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [التوبة:١٨]، إلى آخر الآية، ومع ذلك لم يصح لأن العلماء ينظرون بعد العصور المتقدمة إلى المتن والسند، فالحديث لم يصح حتى ولو شهد القرآن.

وكذلك إذا عارض الحديث القرآن من كل وجه فإننا نقول: حتماً وجزماً أن الله لم يوح بهذا الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله جل وعلا قال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>