للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حديث الوضوء مما مسته النار]

مثال ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عندما حدث عائشة وابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء مما مسته النار)، فابن عباس رضي الله عنه نظر إلى هذا الحديث نظرة تمحيصية عقلية فقال: انظر ما تقول يا أبا هريرة! فقد نظر بعقله إلى الحديث لكن لم يرده، بل وافق عليه في هذا كما سنبين.

فهو بعقله نظر إلى هذا الحديث فقال: نتوضأ مما مست النار لماذا؟! قال: يا أبا هريرة! أنتوضأ من الدهن؟ أنتوضأ من الحميم، يعني: الماء الساخن؟ يعني هل في الماء الساخن نجاسة؟ وهل الدهن فيه نجاسة؟ وما الذي يدعوني إلى أن أتوضأ مما مسته النار؟ ولذلك نجد أن أبا هريرة قد أصل لنا أصلاً ليس بعده أصل، وقعد لنا قاعدة لكل امرئ يحترم ويقدر ويعظم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرف كيف الطريق إلى صحة الحديث أو ترك الحديث؟ فقال أبو هريرة: يا ابن أخي! إذا حدثتك عن رسول الله فلا تضرب له الأمثال.

وانظروا هنا إلى فصل النزاع، وكيف أنه قيّد وحدّ العقل حتى وإن لم تستطع أن تتدبر وتتفهم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن ابن عباس ضرب لنا مثلاً وهو: أن الأصل في الأحكام التعليل، أي: أن تكون معللة، فما العلة التي من أجلها نتوضأ مما مسته النار؟ ليس هناك علة لا نجاسة ولا انتقاض وضوء ولا شيء آخر، فـ ابن عباس رضي الله عنه كأنه يقول: إن معظم الأحكام معللة ولا علة هنا، فلا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال هذا الحديث.

وأراد أن يوهم أبا هريرة، فقال له أبو هريرة مؤصلاً أصلاً آخر للذين يتعلمون كيف يدارسون حديث النبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي! إن حدثتك بحديث عن رسول الله فلا تضرب له الأمثال، وإنما قل: سمعت وأطعت، وهذه قوة من أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، لكن هو شاهد أيضاً إلى أن مدخل العقل أن ينظر إلى هذه المسألة، هل يقبلها العقل أم لا؟ فإن لم يقبلها العقل ولم يستطع أن يتفهمها ويعقلها مع ثبوتها فلا بد أن يقول: سمعت وأطعت.

<<  <  ج: ص:  >  >>