للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التزام وسطية السلف وترك التكلف والتشقيق]

قال الموفق رحمه الله: [وقال عمر بن عبد العزيز كلاماً معناه: قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، ولهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم مُحَسِّر، وما دونهم مقصِّر، لقد قصَّر عنهم قوم فجفوا، وتجاوزهم آخرون فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدىً مستقيم].

الهدى المستقيم هو في وسطية الصحابة رضي الله عنهم، وقد قال الإمام ابن تيمية في الوصية الجامعة التي كتبها لأصحاب عدي بن مسافر الأموي، يقول فيها: "أنه ما من أمْرٍ أَمَر الله ورسوله به، إلا وصار فيه طرفان ووسط، فالوسط: هم أصحاب السنة والاقتداء، وأما الطرفان فهم: قوم إما أنهم أصحاب إفراط أو أصحاب تفريط، وعليه: فمقام التشقيق ليس من سنن السلف"، أي: مقام التكلف في تشقيق المسائل، والإلزام بما لم يكن إلزاماً عند السالفين، والتضييق لمسائل الخلاف التي كانت شائعةً زمن الأئمة كالصحابة والتابعين وأمثالهم.

فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر الطائفة المنصورة الناجية، كما في الحديث المتواتر عنه عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ...) وهم: أهل السنة والجماعة.

ولو قال قائل: إن هذه الطائفة تطبق سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكان مصيباً.

ولو قال آخر: هذه الطائفة تطبق الإسلام؛ لكان مصيباً أيضاً.

إذاً: هذه الطائفة ليس فيها زيادة إلا أنها تحافظ على الإسلام كما جاء.

ومن هنا: فمن أخص أسماء هذه الطائفة أنهم أهل السنة، وقبل كونهم أهل السنة هم أهل الإسلام، ولهذا فإن أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تسموا بالمسلمين، كقول الله عز وجل حاكياً عن إبراهيم قوله: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة:١٢٨] فالأصل أن الإسلام هو الجامع لهذه الطائفة، وفي الحديث المروي عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وأنس، وهو حديث الافتراق المشهور، وإن كان فيه كلام، لكن الكثير من الحفاظ يقوونه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة) لم يكن بالضرورة مقصوداً أن الفرقة الناجية يجب أن تضيق، فالطائفة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، وهم أهل السنة والجماعة، لا ينبغي أن يُقصد إلى تضييقهم، أو أن تضاف قيود كثيرة، وشروط جديدة، لإخراج أكبر عدد من المسلمين من هذه الدائرة، فالسلفي هو: من اقتدى بالسنة النبوية بوجهها العام، واقتدى بإجماعات السلف، واختار ما بان له أقرب إلى الحق في خلاف السلف، فإن السلف كما أنهم مجمعون على مسائل، فإنهم مختلفون في مسائل.

إذاً لا ينبغي أن تضاف قيود على تعريف السلفية، بل تبقى كما بقيت زمن الصحابة والتابعين والأئمة من بعدهم، ولا يسمى القول سنةً لازمةً إلا إذا انضبط في كونه إجماعاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>