للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استدلالهم بقوله تعالى: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) والرد عليهم

أما قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:١٠٣]، فإن المعتزلة استدلوا بهذه الآية أيضاً على نفي الرؤية، والصواب أنها دليل على إثبات الرؤية؛ لأن المنفي هو الإدراك، والإدراك ليس هو مطلق الرؤية، بل هو قدر زائد على أصل الرؤية، ولما سأل رجل ابن عباس: إن الله يقول: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ)، ويقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣]، وكأن الرجل وجد بين الآيتين شيء من التعارض، فالآية الأولى تنفي والثانية تثبت.

قال ابن عباس: (يا هذا! ألست ترى السماء؟ قال: بلى، قال: أتدركها كلها؟ قال: لا، قال: فالله أعظم).

كل أحد من بني آدم يقول: إنه يرى السماء، لكن هل أحد منهم يستطيع أن يقول: إنه يدرك السماء طولاً وعرضاً وامتداداً وماهيةً ونفوذاً

إلى آخره؟ كلا.

إذاً: من طريق العقل والحس والنظر يتضح أن الإدراك ليس هو محض أو مطلق الرؤية.

قال الموفق رحمه الله: [قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:٢٢] * {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣]، وقال تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥]، فلما حجب أولئك في حال السخط، دَلَّ على أن المؤمنين يرونه في حال الرضا، وإلا لم يكن بينهما فرق].

هذا الاستدلال ذكره الشافعي ومالك وجملة من السلف، على أن قوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥] دليل على إثبات الرؤية.

قال الموفق رحمه الله: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته).

حديث صحيح متفق عليه].

قوله: (لا تضامون في رؤيته) أي: لا يحتاج الناس في هذا الموقف وانضمام بعضهم إلى بعض إلى الزحام، وهذا بين كما في حديث أبي رزين، لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رؤية ربه- قال بعض الأعراب: (يا رسول الله! كيف وهو واحد ونحن كثر؟ قال: سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، هذا القمر كلكم يراه مخلٍّ به وهو واحد) فالناس يرون الشمس والقمر ولا يزدحمون عليه، ولا يدفع بعضهم بعضاً لرؤيته، فهذه آية يسيرة من آيات الله فكيف بالله سبحانه وتعالى؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>