للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وصف كلام الله وفضله وبعض أحكامه]

قال الموفق رحمه الله: [وهو سور محكمات، وآيات بينات، وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض].

قوله: [له أول وآخر]: هذا رد على الأشاعرة وأمثالهم الذين قالوا: إن الكلام واحد، وإنه معنىً يقوم في النفس.

قوله: [وأجزاء وأبعاض ...] إلخ: هذا من التفصيل الذي ليس بلازم؛ فإنه كان يكفي أن يقال: إن له أولاً وآخراً، أو نحو ذلك من التعبيرات التي يكتفى بها.

قال الموفق رحمه الله: [متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور، ومسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي، {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢]، وقوله تعالى: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:٨٨]، وهذا هو الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} [سبأ:٣١].

وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:٢٥]، فقال الله سبحانه: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:٢٦].

وقال بعضهم: هو شعر، فقال الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس:٦٩]، فلما نفى الله عنه أنه شعر، وأثبته قرآناً، لم يبق شبهة لذي لب في أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات وحروف وآيات، لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد: إنه شعر.

وقال عز وجل: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:٢٣]، ولا يجوز أن يتحداهم بالإتيان بمثل ما لا يُدرى ما هو، ولا يُعقل.

وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس:١٥]، فأثبت أن القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم.

وقال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:٤٩]، وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:٧٧ - ٧٩] بعد أن أقسم على ذلك].

قوله: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:٧٩] هل الضمير يعود على القرآن أم يعود على الكتاب المكنون وهو اللوح المحفوظ؟

هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم.

والصحيح أن الخلاف في مسألة لزوم الطهارة من الحدث في مس المصحف ليس فرعاً عن الخلاف في هذه الآية، فإن كثيراً من السلف جعلوا الضمير في قوله: {لا يَمَسُّهُ} [الواقعة:٧٩] يعود على الكتاب المكنون؛ وهو اللوح المحفوظ، وهذا هو الصحيح في تفسير الآية، ومع ذلك فإن هؤلاء يذهبون إلى أنه لا يجوز للمحدث أن يمس القرآن.

إذاً ..

الخلاف في مسألة مس المحدث للقرآن، ليس فرعاً عن تفسير الآية.

وفي الجملة فالذي عليه الجمهور -وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم- أن القرآن لا يجوز مسه للمحدث، بل لا بد له من الطهارة.

وذهب طائفة كـ ابن حزم والشوكاني إلى جواز مسه للمحدث حدثاً أصغر، ومستند قول الجمهور هو حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب له كتاباً وفيه: (وأن لا يمس القرآن إلا طاهراً) وهذا كتاب محفوظ صحيح، قال الإمام أحمد: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كتبه له، فهو كتاب معروف منضبط، وفيه مسائل كثيرة جرى الفقهاء من الأئمة على العمل بها، وبذلك تثبت صحة مستندهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>