للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التعطيل والتمثيل هما أساس الابتداع في الصفات]

قال الموفق رحمه الله: [ولا نشبهه بصفات المخلوقين ولا بسمات المحدَثين]:

المذاهب المعارضة لمنهج السلف في الصفات هي في الجملة مذهبان:

مذهب التعطيل: وهو مذهب المؤولة، الذين عطلوا أسماء الرب سبحانه وتعالى وصفاته.

مذهب المشبهة: الذين شبهوا صفات الله بصفات خلقه.

أما المعطلة من المتكلمين؛ كالجهمية والمعتزلة، ومن يشاركهم في شيء من هذا كالأشعرية والماتريدية، وإن كان ثمة فرق بين الأشعرية والماتريدية وبين أئمة الجهمية والمعتزلة، فإن الأشاعرة يثبتون جملة من الصفات، ويتأولون جملة أخرى، وكذلك الماتريدية يثبتون جملة من الصفات ويتأولون جملة أخرى، والأشاعرة طبقات، وليسوا على درجة واحدة، وبعضهم أقرب إلى السنة من بعض.

وفي الجملة: الأشاعرة أقرب إلى السنة والجماعة من الماتريدية، والأشعري رحمه الله أقرب من أصحابه إلى السنة والجماعة، والقاضي أبو بكر الباقلاني أقرب من جملة أصحاب الأشعري، وهَلُمَّ جَرَّاً.

فهم درجات في الجملة.

ومما شاع عن مذهب الأشاعرة أنهم لا يثبتون إلا سبعاً من الصفات، والحقيقة: أن هذا هو مذهب لمتأخريهم، وأول من قرره وشرحه أبو المعالي الجويني، وإن كان أصل هذا المذهب قد ذكره البغدادي في كتبه، ثم درج عليه مَن بعد الجويني مِن الأشاعرة.

وأما المتقدمون من الأشعرية كـ أبي الحسن إمام المذهب، والقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني، وابن فورك وأمثال هؤلاء فإنهم يثبتون هذه الصفات السبع ويثبتون جملة من الصفات الخبرية: كالوجه، واليدين، وأمثال هذه الصفات.

فالمقصود: أن الأشاعرة ليسوا على وجه درجة واحدة، والاقتصار على إثبات سبع صفات هو مذهب غلاتهم كـ أبي المعالي الجويني ومَن بعده.

وأما مذهب التشبيه، فأصله عن قوم من أئمة الرافضة، ثم دخل على جملة من الأحناف، أتباع محمد بن كرام السجستاني، ويقال: مذهب المعطلة هو مذهب المشبهة؛ لأن المعطل لم يقل بالتعطيل إلا بعدما شبَّه، أي: أنه قال بالتعطيل هروباً من التشبيه الذي ظنه لازماً من إثبات الصفات.

- تنبيه: لم يذهب أحد من المسلمين إلى تعطيل الرب سبحانه وتعالى عن مطلق الكمال، وإنما أثبتوا ما هو من أحكام الصفات، مع نفيهم لقيامها بالذات، فهذا هو مراد السلف بقولهم: إن هؤلاء معطلة.

وكذلك المشبهة لم يذهب أحد من المسلمين إلى أن شبه الله بخلقه على التمام، فإن هذا هو الشرك في الربوبية، ولا يقع من مسلم، أو ينتسب إلى دين الإسلام، ولكن عندهم قدر من التشبيه، فمن هنا سموا مشبهة، وإن وقع فهو على سبيل النادر، وهذا النادر حكم عليه أهل العلم بالكفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>