للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر السماء وهى مؤنثة، لأنها بالنسبة إلى الأرض سقف لها، وتنبه الذهن إلى أن السماء سقف، يصور لك تشققها تصويرا قريبا إليك، دانيا منك. وإن في انتهاج القرآن ذلك النهج من المخالفة الصورية لما يلفت الذهن إلى ما وراء الألفاظ، من معان مقصودة، وصور ملحوظة.

[التوكيد والتكرير]

التوكيد من أهم العوامل لبث الفكرة في نفوس الجماعات، وإقرارها في قلوبهم إقرارا، ينتهى إلى الإيمان بها، وقيمة التوكيد بدوام تكراره بالألفاظ عينها، ما أمكن ذلك، «فإذا تكرر الشيء رسخ في الأذهان رسوخا، تنتهى بقبوله حقيقة ناصعة» (١) وللتكرار تأثير في عقول المستنيرين، وتأثيره أكبر في عقول الجماعات من باب أولى، والسبب في ذلك كون المكرر ينطبع في تجاويف الملكات اللاشعورية، التى تختمر فيها أسباب أفعال الإنسان، فإذا انقضى شطر من الزمن نسى الواحد منا صاحب التكرار، وانتهى بتصديق المكرر (٢).

واستخدم القرآن التوكيد وسيلة لتثبيت المعنى في نفوس قارئيه، وإقراره في أفئدتهم، حتى يصبح عقيدة من عقائدهم.

وقد يكرر القرآن الجملة المؤكدة عدة مرات بألفاظها نفسها، علما منه بما لذلك.

من أثر في النفس، فتراه مثلا في سورة الشعراء يكرر الجملتين الآتيتين خمس مرات، من غير أن يغير من ألفاظهما حرفا، فقال على لسان بعض رسله: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) (الشعراء ١٠٧، ١٠٨ و ١٢٦ و ١٤٤ و ١٦٣ و ١٧٩).

وهى وإن كانت مقولة على ألسنة عدة رسل، توحى لتكررها بعبارة واحدة، بصدق هؤلاء الرسل وتثبيت التصديق بهم.

ويؤكد القرآن صفات الله، حتى يستقر الإيمان بها في النفوس، وذلك هو الأساس الذى ينبنى عليه الدين، فتسمعه يقول مكررا ومؤكدا في كثير مما يكرره:

إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة ٢٠)، إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة ١١٠)، إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة ١١٥)، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة ١٥٣)، فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (البقرة ١٥٨)، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة ١٧٣)، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة ١٩٠)، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة ١٩٥)، أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (البقرة ١٩٦)، أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة ٢٠٩)، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة ٢٢٢)، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ


(١) روح الاجتماع ص ١٣٩.
(٢) المرجع السابق نفسه.

<<  <   >  >>