وأعنى بالمنهج الأدبى، هذا المنهج الذى يتجه إلى إثارة وجدان القارئ، إثارة روحية رفيعة، تحدث السرور في النفس فتقبل، أو تحدث فيها الألم فتأبى وترفض، والقرآن غنى بذلك؛ لأنه لا يعتمد على التفكير وحده ليقنع، ولكنه يتكئ عليه وعلى الوجدان ليستميل، فهو في وعده ووعيده، وأوامره ونواهيه، وقصصه، ووصفه، وابتهاله وتسبيحه، بل وفي أحكامه وبراهينه، لا يغفل هذه الناحية من نواحى النفس الإنسانية؛ لأن العمل غالبا يرتبط بها ويقترن، فالقرآن يهاجم ببلاغته جميع القوى البشرية، ليصل إلى هدفه: من تهذيب النفس، وحب العمل الصالح، والإيمان بالله واليوم الآخر.
(٧٠)(النساء ٦٩، ٧٠). ألا تراه قد أثار فينا شعور الغبطة والابتهاج، حينما نخيل لأنفسنا أننا إن أطعنا الله والرسول، فسنكون رفقاء للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين. أو لا ترى أن هذا الشعور بالفرح جدير بأن يدفع المرء إلى الانقياد والطاعة:
وخذ قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (النساء ٤٧). تراه قد اتكأ على إثارة الخوف في النفس من أن تشوه الوجوه أو تطمس، أو أن تحل اللعنة بأصحابها، كما حلت بأصحاب السبت، وهذا الخوف، بما يحدثه في النفس من ألم، جدير أن يدفع الناس إلى التفكير العميق للتخلص من أسبابه، والخلوص من مأزقه، ولا يكون ذلك إلا بالإيمان بما أنزل الله. وقل مثل ذلك في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (النساء ٥٦). فأى رعب ينبعث في النفس، عند ما تتخيل أصحاب النار، وقد نضجت جلودهم، فبدلوا