ألا يملأ نفسك إعجابا هذا الحوار بين إبراهيم وأبيه وقومه، وهذا التأمل من إبراهيم فيما يحيط به، ويسترعى نظره في الكون، أو لا تحس بالقلق الذى استبد بإبراهيم وهو ينشد الله، وبالراحة التى غمرته عند ما اهتدى إليه، أو لا تشعر بالغبطة كما شعر بها إبراهيم، وهو يتجه إلى الذى فطر السموات والأرض، أو لا يثور في نفسك الرغبة في هذا الأمن، الذى يناله الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم؟!
كل أولئك إثارات وجدانية تحركها في نفسك هذه القصة، فتحب إبراهيم وتعجب به، ويدفعك ذلك إلى الاقتناع بما اقتنع به إبراهيم.
وخذ قوله تعالى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١)(ق ٦ - ١١). فهو بتلك الآيات يثير في النفس شعور الإجلال لعظمة الخالق، الذى بنى السماء بناء محكما، وزينها نهارا وليلا، ومد الأرض، ورفع الجبال في أرجائها، وأنبت فيها بهيج النبات، وشعور الإعجاب بهذا المطر، ينزل من السماء فيحيى الأرض بعد موتها، وينشئ الجنات ويرفع النخل باسقات، ألا ترى أن شعور الإجلال والإعجاب يدفع إلى الإيمان بقدرة الله على البعث والنشور.