للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القراءة الأدبية]

هى تلك التى يحاول القارئ فيها، أن يستحضر في نفسه التجربة، كما مرت بالأديب المنشئ، وإذا كان الأديب يتخذ لنقل تجربته ألفاظا يختارها، توحى إلى قارئه بمشاعره، فالقراءة الأدبية، هى التى يقف القارئ فيها أمام كل كلمة في النص الأدبى، يتبين ما توحى به، ويرى ما يحيط بها من الظلال، ويتأمل سر اختيارها، ليستخلص كل ما فيها، من خواطر ومعان، فيمارس التجربة التى مارسها المنشئ، ويعيش اللحظة التى عاشها ومن هنا قالوا: إن الأدب يضيف عمرا إلى عمر قارئه، بسبب هذه التجارب التى يستحضرها، ويشعر بها نفسه.

ويمر القارئ للأدب بثلاث مراحل، فالمرحلة الأولى: هى التى يقرأ فيها النص الأدبى ليعيش في تجربته، والمرحلة الثانية: هى مرحلة النقد، وفيها يدرس القارئ ألفاظ النص، ليرى قدرتها على التعبير عما أراده الأديب، أو عجزها عن ذلك، وفي المرحلة الثالثة: ينقد ما يكون قد اشتمل عليه، من معان وآراء، فيرى خطأه وصوابه، وصدقه

أو كذبه، ولن يستطيع القارئ أن يصل إلى المرحلة الثالثة، إلا إذا عاش التجربة كما عاشها منشئها، وتقمص شعوره، وحينئذ يحكم بصواب ما قرأ أو خطئه، فالقراءة الأدبية ألوان ثلاثة: قراءة متذوقة، وقراءة ناقدة، وقراءة حاكمة، ولكى تتبين كيف يقرأ الأدب قراءة متذوقة، نأتى ببعض المثل؛ لنرى تلك الآفاق الواسعة التى يفتحها أمام أنفسنا ذلك النوع من القراءة.

قال البحترى في وصف الربيع:

أتاك الربيع الطلق، يختال ضاحكا ... من الحسن، حتى كاد أن يتكلما

وقد نبه النيروز في غسق الدجى ... أوائل وردكن بالأمس نوّما

يفتقها برد الندى، فكأنه ... يبث حديثا، كان قبل مكتما

فمن شجر، رد الربيع لباسه ... عليه، كما نشّرت وشيا منمنما

ورق نسيم الريح، حتى حسبته ... يجيء بأنفاس الأحبة نعما

ترى الشاعر قد جاء بكاف الخطاب في أول حديثه، كأنما ينبه من يخاطبه إلى

<<  <   >  >>