ألما، فالأدب تعبير عن هذا الإحساس، وتصوير له، فهو لسان الوجدان وترجمانه، إذا كان العلم لسان التفكير والمبيّن عنه.
تسمع قول قريط بن أنيف يعاتب قومه الذين لم ينجدوه، ويمدح بنى مازن، لأنهم أخذوا بيده ونصروه:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلى ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذا لقام بنصرى معشر خشن ... عند الحفيظة، إن ذو لوثة لانا
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه، زرافات، ووحدانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... فى النائبات، على ما قال برهانا
لكن قومى، وإن كانوا ذوى عدد ... ليسوا من الشر في شىء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته ... سواهم من جميع الناس إنسانا
فليت لى بهم قوما إذا ركبوا ... شنوا الإغارة فرسانا وركبانا
فالشاعر هنا يصور لنا نقمته على قومه، وازدراءه كثرة عددهم، لخورهم، وجبنهم، حتى ليقابلون ظلم ظالمهم بالصفح والغفران، وإساءة المسيئين إليهم بالعفو والإحسان، يلتمسون لضعفهم المعاذير، من الخضوع لتعاليم الدين، فكأن الله لم يخلق غيرهم لخشيته. أما بنو مازن، فهو معجب ببسالتهم وإقدامهم، يمنعون حماهم أن يستباح، ويجد أعداؤهم فيهم خشونة لا تلين، يسرعون إلى نصرة أخيهم، قبل أن يطلبوا منه برهانا على ما قال، فلا عجب أن تمنى استبدال قومه بغيرهم.
تحدث الشاعر في تلك القطعة عن إعجابه وسخطه، أى عن إحساسه بالجمال والقبح، ونجح في تصويرهما ونقلهما إلينا، مستعينا على ذلك بألوان من الخيال، تكاد تلمس بها خشونة جانب من نصروه، وترى بها الشر مكشرا لهم عن أنيابه، وتبصرهم طائرين لا يلوون على شىء، وموردا هذه المناقضات التى ما كان يليق أن تكون، ومتهكما بهم تهكما مرّا لاذعا، ويشعر القارئ لهذا الشعر بلذة، أثارها فينا نجاحه في التصوير، وبراعته في التعبير.
بينما نحن لا نعد من الأدب هذه المقالات العلمية، التى تخاطب التفكير وحده، من غير أن تشرك الوجدان معه.
على أن الأديب قد يستعين بقضايا الفكر، على تصوير هذا الإحساس، كما فعل المتنبى عند ما أراد أن يصور حيرته اليائسة من الوصول إلى أن يدرك كنه الحياة، ومصير الوجود، فقال: