وحينا يثير الأدب فينا الإرادة، ويدفعنا إلى العمل، وأظهر ما يتجلى ذلك في الخطابة، فإنها كثيرا ما ترمى إلى إثارة التفكير المصحوب بالوجدان، المتبوع بالعمل، كخطبة عبد الله بن طاهر في جنده، وقد تجهز لقتال الخوارج: «إنكم فئة الله، والمجاهدون عن حقه، الذابون عن دينه، الذائدون عن محارمه، الداعون إلى ما أمر به من الاعتصام بحبله والطاعة لولاة أمره، الذين جعلهم رعاة الدين، ونظام المسلمين، فاستنجزوا موعود الله ونصره، بمجاهدة عدوه، وأهل معصيته، الذين أشروا وتمردوا، وشقوا عصا الطاعة، وفارقوا الجماعة، ومرقوا من الدين، وسعوا في الأرض فسادا، فإنه يقول تبارك وتعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (محمد ٧). وليكن الصبر معقلكم الذى إليه تلجئون، وعدتكم التى بها تستظهرون، فإنه الوزر المنيع الذى دلكم الله عليه، والجنة الحصينة التى أمركم الله بلباسها، غضوا أبصاركم، وأخفتوا أصواتكم في مصافكم، وامضوا قدما على بصائركم، فارغين إلى ذكر الله والاستعانة به، كما أمركم الله فإنه يقول: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الأنفال ٤٥). أيدكم الله بعز الصبر، ووليكم بالحيطة والنصر».
فأنت تراه قد أثار وجدانهم، بما عرضه عليهم، من الأفكار ليدفعهم إلى الجهاد. وكما في الآيات القرآنية التى ترمى إلى تحريك الإرادة، مثل قوله سبحانه وتعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (فصلت ٣٤).