أوليس في هذا التصوير ما يدفع إلى التفكير العميق حذرا من كارثة مقبلة.
ويملأ هذه الجنة أنسا هؤلاء الزوجات اللاتى جمعن بين جمال الجسم وجمال النفس، فهن حور كواعب، كأنهن الياقوت والمرجان، عين كأنهن بيض مكنون، أما خلقهن فإنهن يتزيّن بأجمل صفات النساء وأسماها، وهى صفة العفة التى عبر القرآن عنها بقصر الطرف، إذ وصفهن مرارا بقوله: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (ص ٥٢). وبذا كله تصبح الجنة كما وصفها القرآن- نعيما وملكا كبيرا.
تلك هى الجنة كما رسمها القرآن، نعيم مقيم، ولذة دائمة، ومتعة لا تنفد، وقد يقال إن القرآن قد أكثر من ذكر اللذائذ الجسمية، والمتع الجسدية، ولكن يجب ألا ننسى أن الإنسان الطبيعى الكامل جسما وعقلا يسرّ لهذه اللذائذ ويهش لها، ويتمنى أن لو عاش تلك الحياة السعيدة المنعمة، فليس في الطبيعة البشرية زهد فى اللذائذ ولا كراهة لها، فلا جرم كان الوعد بالحصول عليها جزاء العمل الطيب، مغريا بهذا العمل وحاثا عليه، ولم يعمل الناس ويجاهدون؟ إنهم يعملون للحصول على مستوى رفيع في الحياة، يمكنهم من الحصول على السعادة الجسمية والروحية، ومن يزعم أن الطبيعة البشرية المثالية تتجه إلى الزهد أو تميل إليه فهو مغال مسرف، بل جاهل بحقيقة الطبيعة البشرية، فالناس في هذه الحياة يجاهدون ليصلوا بحياتهم المادية إلى مستوى سام رفيع، ويحصلوا على أكثر ما يستطيعون الحصول عليه من هذه السعادة المادية، لها يجاهد الناس، ومن أجلها تقتتل الأمم، وكان لذلك وصف النعيم مثيرا في النفس رغبة العمل لنيله والحصول عليه، وكان وصف لذائذ الجنة المادية مما يتفق مع طبيعة الإنسان، والقرآن بهذا يلحظ الجانب الواقعى من حياة الإنسان. ومع قوة ما للنعيم المادى من أثر في قوة توجيه المرء إلى الصالح النافع، لم ينس القرآن اللذة الروحية في وصف نعيم الجنة، فهذا الرضا النفسى عن نتيجة الأعمال التى قدمها المرء في هذه الحياة، والسرور برضوان الله، لكل هذه لذة روحية سامية، بل لقد أشار القرآن