النفوس، إيماء إلى جفوتهم، وأنهم لم يهذبوا ويصقلوا، وتوجيه هذا الأمر إلى أمهم فيه ما فيه من التشنيع عليهم، وفيه كذلك أنهم يبخلون بالماء، فيستعيضون عنه بالبول، وأن نارهم ضعيفة خافتة، وتكفى بولة عجوز لإطفائها، وأتى الشاعر بحرف الجر «على» الدال على الاستعلاء؛ ليرسم صورة منفرة، وهى صورة الأم، وقد علت النار تبول عليها، وتعريف النار إشارة إلى تلك النار المعهودة التى يستطاع اعتلاؤها والبول عليها، ولم ينسبهم الشاعر إلى البخل صراحة، وإنما أخبر عنهم بما يدل على أقبح ألوان هذا البخل.
ألا ترى في اختيار كلمة النَّاسِ وعمومها، عدم مجابهة المنافقين بتعيينهم، وفي ذلك ستر عليهم، وإغراء لهم بالإقلاع عن نفاقهم، ذلك أنه، ما داموا لم يعينوا، من المتوقع أن يصغوا إلى القرآن، فربما انصرفوا عن غيهم، إذا استمعوا إلى تصوير حال ضلالهم، وما هم فيه من حيرة واضطراب، ولو أنه جبههم بكشف الستار عنهم، لانصرفوا معرضين عن الإصغاء، فلا يكون ثمة أمل فى هدايتهم، وكلمة يَقُولُ، توحى بأن إيمانهم لم يتعد أفواههم، وأجرى على ألسنتهم الإيمان بصيغة الماضى، ليوهموا سامعيهم أنهم قد دخلوا في الإيمان منذ زمن بعيد، زيادة منهم في التمويه والخداع، وخص الإيمان بالله وباليوم الآخر؛ لأن الإيمان بهما يجمع كل ما يجب الإيمان به، من كل ما يصل الإنسان