للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هؤلاء الذين لا يصرفهم شاغل من الحياة عن أدائها، إذ قال: رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ (النور ٣٧). وجعل الكسل في أدائها والنهوض إليها مظهرا من مظاهر النفاق، إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (النساء ١٤٢). وجعل الهزء بها كفرا، كالهزء بالدين نفسه، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨) (المائدة ٥٧، ٥٨).

ويقرر القرآن أن الصلاة عبادة شاقة على النفس، وهو من أجل ذلك يضع الخاشعين مثالا يقتدى به، فهؤلاء لا يجدونها ثقيلة ولا شاقة، كما وضع إلى جانب ذلك اليوم الآخر وما فيه من نعيم أو عذاب، يدفع المرء إلى الصلاة رغبة أو رهبة فقال: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (البقرة ٤٥ - ٤٦). وأمر رسوله بالصبر على الصلاة إذ قال: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها (طه ١٣٢). ووعد القرآن وعدا كريما من يؤديها على وجهها بأن أجره عنده، ويعيش يوم القيامة في سلامة وأمن، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة ٢٧٧). وقد فرضت الصلاة ليتذكر الإنسان في الحين بعد الحين خالقه ورب نعمته، أو ليس الخالق المنعم جديرا بأن يذكر ويشكر، فهذه الصلاة وسيلة الذكر والشكران، إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (طه ١٤).

ولذا كان من أكبر أمانى الشيطان أن يصد عن إقامة الصلاة لذلك المعنى الذى أشرت إليه، ويتخذ الشيطان الخمر والميسر وسيلة إلى نسيان الصلاة وذكر الله، إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (المائدة ٩١).

وكانت الصلاة بأشكالها المختلفة مظهر ذلك في الأديان التى سبقت الإسلام، وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (يونس ٨٧). وإبراهيم يدعو ربه قائلا: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي (إبراهيم ٤٠). وعيسى يقول: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) (مريم ٣٠، ٣١). وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥) (مريم ٥٤، ٥٥).

<<  <   >  >>