الجملة بالتأكيد؛ لأنه في مقام يريد أن يقتلع من الأذهان دعواهم العريضة في الإصلاح، و (هم) الثانية ضمير فصل يؤكد الإسناد في الجملة، وتعريف الطرفين يفيد قصر المسند على المسند إليه، فكأن الإفساد مقصور عليهم، لا يبرحهم إلى سواهم، وجاء بلكن، يريد أن يخبرنا بخبر جديد عن هذه الطائفة التى انحصر الإفساد في بنيها، وأنه
كان خليقا بهم أن يدركوا هذه الحقيقة، لو كان عندهم قدر من شعور، أما وهم قوم لا يشعرون، فذاك هو السر في خفاء هذه الحقيقة البينة عنهم، وفرق في التعبير بين وَما يَشْعُرُونَ فى الآية السالفة، وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ فى تلك الآية، فالجملة الأولى في مكانها تنبئ بأن حركة خداع النفس تمر بهم، من غير أن يتنبهوا إليها، فهو لا ينفى الشعور عنهم مطلقا بل ينفى شعورهم بخداع أنفسهم؛ أما في هذه الآية فليس إفسادهم مما يقع منهم بلا شعور، بل هم يفعلون عن رغبة وإصرار، ولكنهم قد فقدوا التفكير، الذى يزنون به الأمور بميزانها الصحيح.
وتستطيع أن تمضى في قراءة الآية التالية، كما مضيت في هذه الآية، وقف فيها وقفة عند كلمتى النَّاسِ والسُّفَهاءُ تتبين في الكلمة الأولى مدى الأدب، الذى استخدمه الداعى في دعوة هؤلاء القوم إلى الإيمان، فهو لم يقل لهم آمنوا كما آمن العقلاء مثلا، فيكون في ذلك جرح لشعورهم، بما قد يكون فيه من تلميح بضعف عقولهم، بل لم يزد في دعوته على أن دعاهم إلى الدخول فيما دخل فيه عامة الناس، وفي ذلك منتهى الرفق واللين، أما ردهم ففيه تبجح وعنف، فقد ادعوا سفاهة هؤلاء الذين آمنوا.
وقف كذلك عند كلمة يَعْلَمُونَ وتأمل سر اختيارها، تر أن السفاهة إنما ترجع إلى العقل والتفكير، فناسب ذلك نفى العلم عنهم، وأما الآية السابقة فإفساد بأعمال يشعر بها، فناسب هناك نفى الشعور.
وامض كذلك في قراءة الآية التى ترسم ما عليه المنافقون من الخداع، وما لهم من وجهين يقابلون المسلمين بأحدهما، ويقابلون رؤساءهم بوجه آخر، وقف عند كلمة خَلَوْا لترى ما توحى به إلى نفسك من جبن هؤلاء المنافقين، الذين لا يستطيعون أن يظهروا ما تكنه قلوبهم، إلا في خلوة لا يراهم فيها أحد، وقف كذلك عند كلمة شياطين، يراد بها رؤساء النفاق، وتأمل ما توحى به من ضروب المكر والدهاء والفساد والضلال، وانظر كيف كشف المنافقون أنفسهم أمام رؤسائهم، فى جملتين اثنتين، دلتا على حقيقتهم، ففي الجملة الأولى: قالوا إنا