للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جسدية، لا يعنى الأدب بإثارتها، وهنا يصح أن نشير إلى أن القرآن، وقد نزل للناس جميعا، عنى بأن يستميلهم إليه، وفيهم المثالى ذو اللذة الروحية السامية، والواقعى الذى لا يسمو روحه عن واقع الحياة، فنزل القرآن وفيه هذان الاتجاهان، حتى يجد فيه كلا الفريقين بغيته. ومما هو جدير بالذكر أن اللذائذ إنما وصفت في معرض الحديث عن الجنة، وأن القرآن يجمع فيها بين الواقعية والمثالية، فتراه يقول: وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ (محمد ١٥). ويختم حديثه عن الجنة في سورة الرحمن بقوله تعالى: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨) (الرحمن ٧٨). كما أنه يتحدث عن الأمن وضمان الخلود في جنة الخلد، وهى لذائذ روحية، ويضم إلى وصف الجنة ونعيمها أنه لا لغو فيها ولا تأثيم، إلا قيلا سلاما سلاما، وهكذا يجد الواقعى في وصف الجنة طلبته، ويجد المثالى أمنيته، على أن كثيرا من هذه اللذائذ الجسدية يبعث الراحة في النفس، والاطمئنان إلى بهجة الخلود، أفلا تطمئن النفس إلى هذه الأنهار الجارية، والعيون المتفجرة، والأشجار ذات الغصون الوارفة، والثمار الدانية، والزوجات الحسان المقصورات في الخيام، وهل يثير ذلك لذة جسدية فحسب، ولا يثير فيها معنى الأنس والحنان؟! وفي الحق أن هناك مبالغة كبيرة في ادعاء أن تلك الصفات خالصة لإثارات جسمية محضة.

***

<<  <   >  >>