للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتقدم ضمير المخاطبين على الضمير العائد على الأولاد في قوله سبحانه:

وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (الأنعام ١٥١). وفي موضع آخر، تقدّم الضمير العائد على الأولاد، وتأخر ضمير المخاطبين في قوله: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ (الإسراء ٣١). ولعل السّر في ذلك أنه في الآية الأولى يخاطب آباء مملقين، بدليل قوله من إملاق، فكان من البلاغة أن يسرع فيعد هؤلاء الآباء بما يغنيهم من الرّزق، وأن يكمل ذلك بعدتهم برزق أبنائهم، حتى تسكن نفوسهم، ولا يجد القلق سبيلا إليها. أما في الآية الثانية فالخطاب للأغنياء، بدليل قوله خشية

إملاق، فإنه لا يخشى الفقر إلا من كان غنيّا، إذ الفقير منغمس في الفقر، فكان من البلاغة أن يقدم وعد الأبناء بالرزق، حتى يسرع بإزالة ما يتوهمون من أنهم بإنفاقهم على أبنائهم، صائرون إلى الفقر بعد الغنى، ثم مضى يكمل طمأنينتهم فوعدهم بالرزق بعد عدة أبنائهم به.

وهكذا نرى القرآن الكريم، لا ينهج في ترتيب كلماته سوى هذا المنهج الفنّى الذى يقدم ما يقدم، لمعنى نفهمه وراء رصف الألفاظ، وحكمة ندركها من هذا النسج المحكم المتين.

***

<<  <   >  >>