للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك الرعيل الأول من هذه الأمة سمع من النبي صلى الله عليه وسلم قوله- كما في موطأ الإمام مالك-: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما:

كتاب الله وسنة رسوله، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

وبالتالي اقتنع الصحابة الأكارم أن رسول الله لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا وقدّم للناس كل ما فيه النفع والخير، وحذّرهم من كل ما يؤدي بهم إلى الضرر والهلاك، مصداق ذلك قوله صلوات الله عليه:

«ما تركت من شيء يقربكم من الجنة إلا أخبرتكم به، ولا شيء يباعدكم عن النار إلا حذرتكم منه».

وجاء من بعدهم فضبطوا مسألة الرواية عن طريق العلم الدقيق المنضبط، وهو علم السند، وكان ذلك ميّزة لم تصل إليها أمة من الأمم:

قد خصّت الأمة بالإسناد ... وهو من الدّين بلا ترداد

واليوم، وبعد ما رأينا من الموضوعات والإسرائيليات والبدع التي ألحقت بالتفاسير، لا بدّ لنا من صيحة تحذير، ومن ثورة فكرية، ومن نهضة صادقة، لننفض الغبار والتراكمات عن هذا العلم القيّم، ولا يعني ذلك نسف كتب التفاسير ورفضها جملة وتفصيلا، أبدا، فعلماء التفسير قدّموا خدمات جليلة، وتعبوا تعبا لا مثيل له، لكن المسألة تنحصر بإبعاد ما لا يوافق القرآن والسنة والمنهج الشرعي عن كتب التفاسير، وهو من باب التهذيب ليس إلا.

والذي يضبط المسألة ما قال تعالى: (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (١) وقوله أيضا: (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (٢).


(١) الأحزاب: ٣٦.
(٢) النساء: ٥٩.

<<  <   >  >>