للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن الإسلام وهو يهذب أنفسنا لا يكتفي بتصبيِر المرء نفسَه وهو يطوي الغيظ في قلبه على من أخطأ عليه، بل يطالبه بالانتقال إلى المنزلة الثانية من منازل الحِلم، وهي العفو عن المخطئ {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} (آل عمران: ١٣٤)، ذلك أن "العفو عن الناس من أجلِّ ضروب فعل الخير؛ حيث يجوز للإنسان أن يعفو حيث يتجه حقُه ... وكظم الغيظ والعفو عن الناس من أعظم العبادة وجهاد النفس" (١).

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يربي أصحابه على التجمل بصفة العفو، يقول أنس بن مالك: (ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع إليه شيء فيه قِصاص إلا أمر فيه بالعفو) (٢)، فالعفو عن المخطئ ومسامحته خلق جليل أمر الله به نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} (الحجر: ٨٥).

وقد سبق - صلى الله عليه وسلم - إلى خلة العفو؛ فما كان قلبه ينطوي على غيظ على صاحب إساءة، فحين مرّ بمجلس المنافق عبدِ الله بنِ أُبي ابن سلول، أساء الأدب مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاستشار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -


(١) الجامع لأحكام القرآن (٤/ ٢٠٧ - ٢٠٨).
(٢) أخرجه النسائي ح (٤٧٨٤)، وأحمد في مسنده ح (١٣٢٣٢).

<<  <   >  >>