للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العظماء، الذين على الرغم من أنهم لم يشهدوا سيفًا ولا نارًا ولا تعذيبًا .. واحسرتاه على هذه الآلاف المؤلفة التي تحمل اسم المسيحية .. فلماذا إذاً هجر شعبك من أهل مرو عقيدتهم من أجل هؤلاء العرب؟ ولماذا حدث ذلك أيضًا في وقت لم يرغمهم فيه العرب!؟» (١).

وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: "العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام" (٢).

بل على عكس ما يشيعه الغربيون عن إجبار الناس على اعتناق الإسلام فإن المؤرخين الغربيين ينقلون باستغراب بعض الحوادث المشينة في تاريخنا عن كراهية بعض الأمراء دخول الناس في الإسلام، لكنها على كل حال تنقض ما يزعمه المفترون على الإسلام، تقول المؤرخة زيغرد: "لقد عسّر المنتصرون على الشعوب المغلوبة دخول الإسلام حتى لا يقللوا من دخلهم من الضرائب التي كان يدفعها من لم يدخل في الإسلام" (٣).

ويقول ول ديورانت في سياق حديثه عن الخليفة عمر بن عبد العزيز: "وبينما كان أسلافه من خلفاء الأمويين لا يشجعون غير المسلمين في بلاد الدولة على اعتناق الإسلام، حتى لا تقل الضرائب المفروضة عليهم، فإن عمر قد شجع المسيحيين، واليهود، والزرادشتيين على اعتناقه، ولما شكا إليه عماله القائمون على شؤون المال من هذه السياسة التي ستفقر بيت المال أجابهم بقولهِ: (والله لوددت أن الناس كلهم أسلموا، حتى نكون أنا وأنت حراثين نأكل من كسب أيدينا) " (٤).

ويبين لنا توماس أرنولد أن خراج مصر كان على عهد عثمان اثنا عشر مليون دينار، فنقص على عهد معاوية حتى بلغ خمسة ملايين، ومثله كان في خراسان، فلم يسقط بعض الأمراء الجزية عمن أسلم من أهل الذمة، ولهذا السبب عزل عمر بن عبد العزيز واليه على خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي، وكتب: "إن الله بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً" (٥).

لقد كان انتشار الإسلام السريع في العالم القديم حدثاً مدوياً، تجاوز ما عرفته البشرية من زحف بطيء للأديان، لكن لا حيرة في تفسير هذه الظاهرة عند أحرار الفكر من غير المسلمين، لنستمع إليهم وهم يتحدثون بحقائق التاريخ عن السر في تقبل الشعوب للإسلام وإقبالها عليه.


(١) المصدر السابق، ص (٧٩).
(٢) شمس العرب تسطع على الغرب، زيغرد هونكة، ص (٣٦٤).
(٣) المصدر السابق، ص (٣٦٥)، وانظر: تاريخ أسبانيا الإسلامية، ليفي بروفنسال (١/ ١٧٤).
(٤) قصة الحضارة، ول ديورانت (١٣/ ٤٨).
(٥) طبقات ابن سعد (٥/ ٢٨٣)، والدعوة إلى الإسلام لأرنولد، ص (٩٣).

<<  <   >  >>