للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وينقل الخربوطلي عن المستشرق دوزي في كتابه "نظرات في تاريخ الإسلام" قوله: "إن تسامح ومعاملة المسلمين الطيبة لأهل الذمة أدى إلى إقبالهم على الإسلام، وأنهم رأوا فيه اليسر والبساطة مما لم يألفوه في دياناتهم السابقة " (١).

ويقول غوستاف لوبون: " إن القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن، فقد ترك العرب المغلوبين أحراراً في أديانهم .. فإذا حدث أن انتحل بعض الشعوب النصرانية الإسلام واتخذ العربية لغة له؛ فذلك لما كان يتصف به العرب الغالبون من ضروب العدل الذي لم يكن للناس عهد بمثله، ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم تعرفها الأديان الأخرى" (٢).

ويقول: "وما جهله المؤرخون من حلم العرب الفاتحين وتسامحهم كان من الأسباب السريعة في اتساع فتوحاتهم وفي سهولة اقتناع كثير من الأمم بدينهم ولغتهم .. والحق أن الأمم لم تعرف فاتحين رحماء متسامحين مثل العرب، ولا ديناً سمحاً مثل دينهم" (٣).

ويوافقه المؤرخ ول ديورانت فيقول: "وعلى الرغم من خطة التسامح الديني التي كان ينتهجها المسلمون الأولون، أو بسبب هذه الخطة اعتنق الدين الجديدَ معظمُ المسيحيين وجميع الزرادشتيين والوثنيين إلا عدداً قليلاً منهم .. واستحوذ الدين الإسلامي على قلوب مئات الشعوب في البلدان الممتدة من الصين وأندنوسيا إلى مراكش والأندلس، وتملَك خيالهم، وسيطر على أخلاقهم، وصاغ حياتهم، وبعث آمالاً تخفف عنهم بؤس الحياة ومتاعبها" (٤).

ويضيف السير توماس أرنولد إلى التسامح سبباً آخر أخذ بنواصي الناس إلى الإسلام، وهو الإعجاب بحضارة الإسلام ومدنيته وآدابه: «وقد بلغ من تأثير الإِسلام في نفوس معظم الذين تحولوا إليه من مسيحي أسبانيا مبلغاً عظيماً، حتى سحرهم بهذه المدنية الباهرة، واستهوى أفئدتهم بشعره، وفلسفته، وفنه الذي استولى على عقولهم وبهر خيالهم .. أضف إِلى ذلك أن علوم المسيحيين وآدابهم لا بد أن تكون بدت فقيرة ضئيلة إذا ما قيست بعلوم المسلمين وآدابهم التي لا يبعد أن تكون دراستها في حد ذاتها، باعثاً على الدخول في دينهم. هذا إِلى أن الإِسلام في أسبانيا استطاع أن يثير في نفوس الأتقياء الجمال الذي ينشده الورعون والمتحمسون من جماعة إخوان الصفا» (٥).

وثمة أسباب لا تتعلق بالإسلام نفسه دعت الناس إلى اعتناق الإسلام، فقد اختار


(١) الإسلام وأهل الذمة، ص (١١١).
(٢) حضارة العرب، غوستاف لوبون، ص (١٢٧).
(٣) المصدر السابق، ص (٦٠٥).
(٤) قصة الحضارة، ول ديورانت (١٣/ ١٣٣).
(٥) الدعوة إلى الإسلام، ص (١٢٨).

<<  <   >  >>