للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

القيامة امتنع، وعلل امتناعه بخشيته أن يتخذ المسلمون من صلاته في الكنيسة سابقة، فيغلبوا النصارى على الكنيسة ومثله فعل ب سميث في كتابه: "محمد والمحمدية" (١).

وبمثل كتاب عمر لأهل أورشليم كتب - رضي الله عنه - لأهل اللُد في فلسطين.

وبمثله أيضاً كتب عياض بن غنم - رضي الله عنه - لأهل الرقة، ولأسقف الرها (٢).

وحين فتح خالد بن الوليد دمشق كتب لأهلها: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم لا يهدم، ولا يسكن شيء من دورهم، لهم بذلك عهد الله وذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء والمؤمنين" (٣).

وتضمن كتابه - رضي الله عنه - لأهل عانات عدم التعرض لهم في ممارسة شعائرهم وإظهارها: "ولهم أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار، إلا في أوقات الصلاة، وأن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم" (٤).

وفي عهد التابعين أكد أمراء المسلمين وفقهاؤهم على ضمان دور العبادة لمواطنيهم من غير المسلمين، فكتب الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز إلى عماله: "لا تهدموا كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار" (٥).

وحين أخل بعض حكام المسلمين بهذه الحقوق؛ اعتبر المسلمون ذلك ظلماً محرماً، وأمر أئمة العدل بإزالته، وسعوا في إبطاله، ومن ذلك أن الوليد بن عبد الملك أخذ كنيسة يوحنا من النصارى قهراً، وأدخلها في المسجد، فاعتبر المسلمون ذلك من الغصب المحرم، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة؛ شكا إليه النصارى ذلك، فكتب إلى عامله يأمره برد ما زاد في المسجد عليهم، فاسترضاهم المسلمون، وصالحوهم، فرضوا (٦).

كما شكا النصارى إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز في شأن كنيسة أخرى في دمشق أقطعها بعض أمراء بني أمية لبني نصر، فردها إليهم (٧).

وفي القرن الهجري الرابع وقعت فتنة بين المسلمين والنصارى فهدم المسلمون ونهبوا أربع كنائس «فرفع النصارى الأمر إلى المقتدر فوقَّع لهم ببنيان هذه الكنائس» (٨).

وفي سرده لأحداث سنة ٧٦٧هـ ذكر ابن كثير أن الأفرنج دخلوا الإسكندرية، وففعلوا بأهلها الأفاعيل «وعاثوا في أهلها فساداً، يقتلون الرجال، ويأخذون الأموال ويأسرون النساء والأطفال .. وقد أسروا خلقاً كثيراً يقاومون [أي يزيدون على] الأربعة آلاف، وأخذوا من الأموال ذهباً وحريراً وبهاراً وغير ذلك ما لا يحدُّ ولا يوصف ..


(١) نقلاً عن التسامح والعدوانية، صالح الحصين، ص (١٢٠ - ١٢١).
(٢) انظر: فتوح البلدان، ص (٢٠٥).
(٣) أخرجه البلاذري في فتوح البلدان، ص (١٦٦)، وانظر كتاب الأموال، ابن زنجويه (٢/ ٤٧٣).
(٤) أخرجه أبو يوسف في الخراج، ص (١٧٥).
(٥) أخرجه أبو عبيد في الأموال، ص (١٣٨).
(٦) أخرجه أبو عبيد في الأموال، ص (٢٢٣)، وانظره في فتوح البلدان، ص (١٧١ - ١٧٢).
(٧) أخرجه أبو عبيد في الأموال، ص (٢٢٣)، وانظر الأموال، ابن زنجويه (١/ ٣٨٨)، وفتوح البلدان، ص (١٦٩).
(٨) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، آدم متز (١/ ١٠٩)، وذكر مواضع أخرى، ولم يذكر انتصاف الأمراء لمواطنيهم من أهل الذمة، لكنه عقب عليها بالقول: «وهذه الحوادث قليلة جداً بالقياس إلى بلاد المشرق كلها على سعتها» انظر (١/ ١١١).

<<  <   >  >>