للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويتحدث السير أرنولد عن فتح مصر وما قدمه المسلمون للأقباط: «وقد جلب الفتح الإِسلامي إِلى هؤلاء القبط حياة تقوم على الحرية الدينية التي لم ينعموا بها قبل ذلك بقرن من الزمان، وقد تركهم عمرو أحراراً على أن يدفعوا الجزية، وكفل لهم الحرية في إِقامة شعائرهم الدينية، وخلصهم بذلك من هذا التدخل المستمر الذي أنُّوا من عبئه الثقيل في ظل الحكم الروماني، ولم يضع عمرو يده على شيء من ممتلكات الكنائس، ولم يرتكب عملاً من أعمال السلب والنهب .. وليس هناك شاهد من الشواهد يدل على أن ارتدادهم عن دينهم القديم ودُخولهم في الإِسلام على نطاق واسع كان راجعاً إِلى اضطهاد أو ضغط يقوم على عدم التسامح من جانب حكامهم الحديثين، بل لقد تحول كثير من هؤلاء القبط إِلى الإِسلام قبل أن يتم الفتح» (١).

ويقول المفكر الأسباني بلاسكوا أبانيز في كتابه "ظلال الكنيسة" (ص ٦٤) متحدثاً عن الفتح الإسلامي للأندلس: "لقد أحسنت أسبانيا استقبال أولئك الرجال الذين قدموا إليها من القارة الإفريقية، وأسلمتهم القرى أزمتها بغير مقاومة ولا عداء، فما هو إلا أن تقترب كوكبة من فرسان العرب من إحدى القرى؛ حتى تفتح لها الأبواب وتتلقاها بالترحاب .. كانت غزوة تمدين، ولم تكن غزوة فتح وقهر .. ولم يتخل أبناء تلك الحضارة زمناً عن فضيلة حرية الضمير، وهي الدعامة التي تقوم عليها كل عظمة حقة للشعوب، فقبلوا في المدن التي ملكوها كنائس النصارى وبِيَع اليهود، ولم يخشَ المسجدُ معابدَ الأديان التي سبقته، فعرف لها حقها، واستقر إلى جانبها، غير حاسد لها، ولا راغب في السيادة عليها" (٢).

وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: " المسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها؛ سمح لهم جميعاً دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى، أو ليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال؟ ومتى؟ " (٣).


(١) الدعوة إلى الإسلام، توماس أرنولد، ص (٩٦).
(٢) فن الحكم في الإسلام، مصطفى أبو زيد فهمي، ص (٣٨٧).
(٣) شمس العرب تسطع على الغرب، زيغرد هونكة، ص (٣٦٤).

<<  <   >  >>