للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأخرى، وإنهم مع امتشاقهم الحسام نشراً لدينهم، تركوا مَن لم يرغبوا فيه أحراراً في التمسك بتعاليمهم الدينية".

وينقل أيضاً عن الراهب ميشود في كتابه "رحلة دينية في الشرق" (ص ٢٩) قوله: "ومن المؤسف أن تقتبس الشعوب النصرانية من المسلمين التسامح، الذي هو آية الإحسان بين الأمم واحترام عقائد الآخرين وعدم فرض أي معتقد عليهم بالقوة" (١).

وأما المؤرخ الإنجليزي السير توماس أرنولد، فيقول: " لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة " (٢).

يقول المؤرخ الإسباني الدكتور إغناسيو أولاغي في كتابه المثير للجدل "العرب لم يغزوا إسبانيا": "فخلال النصف الأول من القرن التاسع كانت أقلية مسيحية مهمة تعيش في قرطبة وتمارس عبادتها بحرية كاملة".

ويستشهد بقول القس إيِلُوج: "نعيش بينهم دون أنْ نتعرض إلى أيّ مضايقات فيما يتعلق بمعتقدنا" (٣).

ويقول الدكتور فيليب حِتّى: "وقد رحب سكان البلاد الساميون في سوريا وفلسطين والحاميون في مصر بالعرب، واعتبروهم أقرب نسباً إليهم من حكامهم الأغراب الطغاة، وفضلاً عن ذلك فالجزية التي فرضها الفاتحون كانت أقل من التي جباها سابقوهم؛ في حين سمح للمغلوبين على أمرهم بممارسة دينهم بحرية أوسع وطمأنينة أكبر" (٤).

ولم يتدخل المسلمون في الشؤون التفصيلية لمواطنيهم من أهل الذمة، ولم يجبروهم على التحاكم أمام المسلمين وإن طلبوا منهم الانصياع للأحكام العامة للشريعة المتعلقة بسلامة المجتمع وأمنه، ونقل العيني عن الزهري قوله: "مضت السنة أن يرد أهل الذمة في حقوقهم ومعاملاتهم ومواريثهم إلى أهل دينهم؛ إلا أن يأتوا راغبين في حكمنا، فنحكم بينهم بكتاب الله تعالى" (٥).

كما نقل عن ابن القاسم قوله: " إن تحاكم أهل الذمة إلى حاكم المسلمين ورضي الخصمان به جميعاً؛ فلا يحكم بينهما إلا برضا من أساقفهما، فإن كره ذلك أساقفهم فلا يحكم بينهم، وكذلك إن رضي الأساقفة ولم يرض الخصمان أو أحدهما لم يحكم بينهما" (٦).


(١) انظر حاشية الصفحة (١٢٨) من كتاب "حضارة العرب" لغوستاف لوبون.
(٢) الدعوة إلى الإسلام، توماس أرنولد، ص (٥١).
(٣) حوار الثقافات في الغرب الإسلامي، سعد بوفلاقة، ص (١٤).
(٤) تاريخ العرب، فيليب حتى، ص (٦٢).
(٥) عمدة القاري (١٦/ ١٦١).
(٦) المصدر السابق (١٦/ ١٦١).

<<  <   >  >>