للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد سجل المؤرخون هذا البُعد الجميل في تسامح المسلمين، وأنهم تركهم لمواطنيهم حق التحاكم إلى شرائعهم وبواسطة قسسهم ورجال دينهم، يقول آدم متز: "ولما كان الشرع الإسلامي خاصاً بالمسلمين، فقد خلَّت الدولة الإسلامية بين أهل الملل الأخرى وبين محاكمهم الخاصة بهم، والذي نعلمه من أمر هذه المحاكم أنها كانت محاكم كنسية، وكان رؤساء المحاكم الروحيون يقومون فيها مقام كبار القضاة أيضاً، وقد كتبوا كثيراً من كتب القانون، ولم تقتصر أحكامهم على مسائل الزواج، بل كانت تشمل إلى جانب ذلك مسائل الميراث وأكثر المنازعات التي تخص المسيحيين وحدهم مما لا شأن للدولة به" (١).

ويقول أيضاً: "أما في الأندلس، فعندنا من مصدر جدير بالثقة أن النصارى كانوا يفصلون في خصوماتهم بأنفسهم، وأنهم لم يكونوا يلجؤون للقاضي إلا في مسائل القتل" (٢).

وأما الدكتور فيليب حتِّى فيقول: "وقد تمتع أهل الذمة في هذا الوضع بقسط وافر من الحرية لقاء تأديتهم الجزية والخراج، وكانوا يرجعون في قضاياهم المدنية والجزائية إلى رؤسائهم الروحيين؛ إلا إذا كانت القضية تمس مسلماً" (٣).

لكن مما ينبغي ذكره هنا أن الكثيرين من أهل الذمة رغبوا في التحاكم إلى التشريع الإسلامي، ورغبوا أن تكون مواريثهم حسب ما قررته الشريعة الإسلامية (٤)، متذرعين بنقصان تشريعاتهم الدينية وعدم شموليتها وعجزها عن تحقيق المطالب الحياتية للمؤمنين بها، وهذا ما حدا بالجاثليق تيموثاوس في حوالي سنة (٢٠٠هـ، ٨٠٠م) إلى تأليف كتاب عن الأحكام القضائية المسيحية، وفرض على من يتحاكم إلى محاكم المسلمين طائعاً أن يتوب ويتصدق ويقوم على المسح والرماد (٥).


(١) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، آدم متز (١/ ٩٣).
(٢) المصدر السابق (١/ ٩٥).
(٣) تاريخ العرب، فيليب حتى، ص (١٠٤).
(٤) انظر: الإسلام وأهل الذمة، الخربوطلي، ص (١١٩)، وتاريخ العرب، فيليب حتى، ص (١٠٤).
(٥) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري (١/ ٩٣).

<<  <   >  >>