للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الله إن الله شديد العقاب} (المائدة: ٢).

وأعلم الله تعالى المؤمنين بمحبته للذين يعدلون في معاملتهم مع مخالفيهم في الدين الذين لم يتعرضوا لهم بالأذى والقتال، فقال: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة: ٨). فالعدل مع الآخرين موجب لمحبة الله.

وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ظلم أهل الذمة وانتقاص حقوقهم، وجعل نفسه الشريفة خصماً للمعتدي عليهم، فقال: «من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة» (١).

وأكد أن ظلم غير المسلم موجب لانتقام الله الذي يقبل شكاته ودعوته على ظالمه المسلم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «اتقوا دعوة المظلوم - وإن كان كافرًا - فإنه ليس دونها حجاب» (٢).

ولمزيد التأكيد يوصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بعدم التعرض للمستضعفين من غير المسلمين بالظلم والتسلط، فيقول: «لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم، فيتقوكم بأموالهم دون أنفسهم وذراريهم، فيصالحونكم على صلح، فلا تصيبوا منهم فوق ذلك، فإنه لا يصلح لكم» (٣).

لذا لما سأل رجل ابن عباس فقال: إنا نمر بأهل الذمة، فنصيب من الشعير أو الشيء؟ فقال الحبر ترجمان القرآن: (لا يحل لكم من ذمتكم إلا ما صالحتموهم عليه) (٤).

ولما كتب النبي كتاب صلحه لأهل نجران قال فيه: «ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم ولا شيء مما كانوا عليه، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين» (٥).

أما منتهى الظلم وأشنعه، فهو قتل النفس بغير حق، لهذا جاء فيه أشد الوعيد وأعظمه، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من قتل معاهَداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً» (٦).

قال ابن حجر: "المراد به من له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم" (٧).

ومن الطريف أن الخوارج الذين استباحوا دماء المسلمين وأوغلوا فيها توقفوا عن قتل أهل الذمة خشية نقض عهدهم. قال ابن حجر: "الخوارج لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دماءهم، وتركوا أهل الذمة فقالوا: نفي لهم بعهدهم" (٨).


(١) أخرجه أبو داود ح (٣٠٥٢)، ونحوه في سنن النسائي ح (٢٧٤٩)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ح (٢٦٢٦).
(٢) أخرجه أحمد ح (١٢١٤٠).
(٣) أخرجه أبو داود ح (٣٠٥١)، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه ح (٢٦٠٣) وضعفه الألباني لإبهام في إسناده في ضعيف أبي داود ح (٦٦٥).
(٤) أخرجه أبو عبيد في الأموال، ص (٢١٩).
(٥) الطبقات الكبرى لابن سعد (١/ ٢٦٦).
(٦) أخرجه البخاري ح (٣١٦٦).
(٧) فتح الباري، ابن حجر (١٢/ ٢٥٩).
(٨) المصدر السابق (١٢/ ٣٠٢).

<<  <   >  >>