للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أيما رجل أمّن رجلاً على دمه، ثم قتله، فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافراً» (١).

قال ابن القيم: " المستأمن يحرم قتله، وتضمن نفسه، ويقطع بسرقة ماله" (٢).

ويقول القرطبي: "الذمي محقون الدم على التأبيد، والمسلم كذلك، وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام، والذي يحقِق ذلك: أنّ المسلم يقطع بسرقة مال الذمي، وهذا يدل على أنّ مال الذمي قد ساوى مال المسلم، فدل على مساواته لدمه، إذ المال إنّما يحرم بحرمة مالكه" (٣).

وقد ذهب جمع من العلماء على أن المسلم يقتل بقتله النفس المعصومة من غير المسلمين، وتأولوا الحديث الوارد في النهي عن ذلك.

ويروي عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي أن رجلاً مسلماً قتل رجلاً من أهل الذمة من أهل الحيرة على عهد عمر، فأقاد منه عمر (٤).

ويروي الشافعي في مسنده أن رجلاً من المسلمين أُخذ على عهد علي - رضي الله عنه - وقد قتل رجلاً من أهل الذمة، فحكم عليه بالقصاص، فجاء أخوه، واختار الدية بدلاً عن القود، فقال له علي - رضي الله عنه -: "لعلهم فرقوك أو فزّعوك أو هددوك؟ " فقال: لا، بل قد أخذت الدية، ولا أظن أخي يعود إلي بقتل هذا الرجل، فأطلق علي القاتل، وقال: "أنت أعلم، من كانت له ذمتنا، فدمه كدمنا، وديته كديتنا" (٥).

ويحدث ميمون بن مهران أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بعض أمرائه في مسلم قتل ذميّاً، فأمره أن يدفعه إلى وليه، فإن شاء قتله، وإن شاء عفا عنه. يقول ميمون: فدفع إليه، فضرب عنقه، وأنا أنظر (٦).

ولئن اختلف الفقهاء في مسألة قتل المسلم بالذمي؛ فإنهم لم يختلفوا في عظم الجناية وشناعة الفعل، كما لم يختلفوا في وجوب العدل مع مخالفيهم في الدين ووجوب كف الأذى والظلم عنهم.

قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله عز وجل لم يُحِلَّ لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضَرْبَ نسائهم، ولا أكلَ ثمارهم، إذا أعطوكم الذي عليهم» (٧).

ويرى ابن عابدين في حاشية الدر المختار وجوب " كف الأذى عن الذمي، وتحرم غيبته كالمسلم" (٨).

ويفسر ابن عابدين ذلك بقوله: "لأنه بعقد الذمة وجب له ما لنا، فإذا حرمت غيبة المسلم حرمت غيبته، بل قالوا: إن ظلم الذمي أشد" (٩).


(١) أخرجه ابن حبان ح (٥٩٨٢)، والبيهقي في السنن ح (٩/ ١٤٢)، والطبراني في معجمه الأوسط ح (٤٢٥٢).
(٢) أحكام أهل الذمة (٢/ ٧٣٧).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٢/ ٢٤٦).
(٤) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (١٠/ ١٠١).
(٥) أخرجه الشافعي في مسنده (١/ ٣٤٤)، والبيهقي في السنن (٨/ ٣٤).
(٦) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (١٠/ ١٠١).
(٧) أخرجه أبو داود ح (٣٠٥٠)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (٨٨٢).
(٨) الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه (٦/ ٤١٠).
(٩) المصدر السابق (٤/ ١٧١).

<<  <   >  >>