للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المؤمن] أن يُقتدى به، وأن معك أهل ذمة وعهد، وقد أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم، وأوصى بالقبط فقال: «استوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً»، ورحِمُهم أن أم إسماعيل منهم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته؛ فأنا خصمه يوم القيامة» احذر يا عمرو أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لك خصماً، فإنه من خاصمه خَصَمه" (١).

وكتب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بلسان الوجِل من ربه إلى عماله على الخراج: "إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة، شتاءً ولا صيفاً، ولا رزقاً يأكلونه، ولا دابة يعملون عليها، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم، ولا تقمه على رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عَرَضاً في شيء من الخراج، فإنا إنما أمرنا الله أن نأخذ منهم العفو، فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتُك" (٢).

ولما فتح المسلمون دمشق ولي قسم منازلها بين المسلمين سبرة بن فاتك الأسدي، فكان ينزل الرومي في العلو، وينزل المسلم في السفل؛ لأنْ لا يضر المسلم بالذمي (٣).

ويدخل فقيه عصره أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة على الخليفة هارون الرشيد يذكره برعاية أهل الذمة وتفقد أحوالهم، ويستميل قلبه بذكر قرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاحب ذمتهم، فيقول: "وقد ينبغي يا أمير المؤمنين - أيدك الله - أن تتقدم بالرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد - صلى الله عليه وسلم -، والتفقد لهم حتى لا يظلموا، ولا يؤذوا، ولا يكلفوا فوق طاقتهم، ولا يؤخذ من أموالهم إلا بحق يجب عليهم" (٤).

وقد شهد المؤرخون بسمو حضارتنا في هذا الباب، فقد اعترف بريادتنا له نصارى حمص حين كتبوا إلى أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -: " لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم"، ثم أغلقوا أبواب المدينة في وجه الروم إخوانهم في العقيدة (٥).

وتنقل المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها الماتع " شمس العرب تسطع على الغرب" شهادة مهمة من بطريك بيت المقدس، فتقول: " فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب: إنهم يمتازون بالعدل، ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف" (٦).


(١) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال ح (١٤٣٠٤).
(٢) أخرجه أبو يوسف في الخراج ح (١٨).
(٣) تاريخ ابن عساكر (٢٠/ ٢٨).
(٤) أخرجه أبو يوسف في الخراج ح (١٤٩).
(٥) أخرجه البلاذري في فتوح البلدان ح (١٨٧).
(٦) شمس العرب تسطع على الغرب، ص (٣٦٤).

<<  <   >  >>