للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أرنود قتل جميع سكان القرية، قائلاً: «اقتلوهم جميعاً لأن الرب يعرف جماعته» (١)، فقتل ما يربو على ٢٠ ألفاً، وأوصلته بعض التقديرات إلى مائة ألف.

لكن مذبحة سان بارثليمبو عام ١٥٧٢م في باريس كانت أكبر منها، فقد راح ضحيتها سبعون ألف برتستنتي بمباركة من الكنيسة الكاثوليكية (٢).

وحتى لا أطيل على قارئي الكريم فإني أختصر بنقل مقالة البابا إنوسنت الثالث، فهي تجسد روح تلك الفترة: «إن أي إنسان سوف يحاول بناء رأي شخصي عن الرب يتعارض مع عقيدة الكنيسة ينبغي حرقه من دون شفقة» (٣).

وبالعود إلى المجتمع المسلم وعلاقته بغير المسلمين المقيمين فيه؛ فإن العلماء والخلفاء المسلمون ما زالوا يتواصون بحقوق أهل الذمة، كلٌ يحذر أن تخفر ذمة الله وذمة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو شاهد، لأجل ذلك حرصوا على تفقد أحوالهم ومعرفة أمورهم، ومن ذلك أن وفداً من أهل الذمة جاء إلى عمر، قال عمر للوفد: (لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى وبأمور لها ما ينتقضون بكم؟) فقالوا: ما نعلم إلا وفاء وحسن ملكة (٤).

ويرسل عمر كتاباً إلى عامله أبي عبيدة، فيقول موصياً بأهل الذمة: "وامنع المسلمين من ظلمهم والإضرار بهم، وأكل أموالهم إلا بحلها، ووفِ لهم بشرطهم الذي شرطت لهم في جميع ما أعطيتهم" (٥).

ولما جاءه مال الجباية سأل - رضي الله عنه - عن مصدره مخافة العنت والمشقة على أهل الذمة، ففي الأثر عنه - رضي الله عنه - "أنه أتي بمال كثير، أحسبه قال: من الجزية. فقال: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس؟ قالوا: لا، والله ما أخذنا إلا عفواً صفواً. قال: بلا سوط ولا نوط؟ قالوا: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني " (٦).

ولما جاء عمر - رضي الله عنه - الشام تلقاه المقلسون من أهل أذرعات بالسيوف والريحان يلعبون بين يديه. فكره عمر لعبهم، وأمر بمنعهم. فقال له أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين هذه سُنتهم، وإنك إن منعتهم منها يروا أن في نفسك نقضاً لعهدهم. فقال عمر: دعوهم.

وفي رواية ابن زنجويه أنه قال: (دعوهم، عمرُ وآلُ عمر في طاعة أبي عبيدة) (٧) فقد كره - رضي الله عنه - مساءتهم، وأن يظنوا به النقض، فأذعن لقول أبي عبيدة.

ولما تدانى الأجل به - رضي الله عنه - لم يفُته أن يوصي المسلمين برعاية أهل الذمة الذين قتله واحد منهم (أبو لؤلؤة المجوسي)، فقال: (أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، وأن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتلوا من ورائهم، وألا يكلفوا فوق طاقتهم) (٨) فكأنهم - رضي الله عنه - خشي أن يؤدي مقتله على يد واحد منهم إلى إجحاف في حق إخوانه من أهل الذمة.

وكتب إلى واليه في مصر: "واعلم يا عمرو أن الله يراك ويرى عملك، فإنه قال تبارك وتعالى في كتابه: {واجعلنا للمتقين إماماً} (الفرقان: ٧٤) يريد [أي من


(١) المصدر السابق (٣٣٢)، وانظر: الجانب المظلم في التاريخ المسيحي، هيلين إيليربي، ص (٨٩).
(٢) مختصر تاريخ الكنيسة، أندرو ملر (٦٤٨ - ٦٥٠).
(٣) الجانب المظلم في التاريخ المسيحي، هيلين إيليربي، ص (٩٢).
(٤) تاريخ الطبري (٢/ ٥٠٣).
(٥) أخرجه البلاذري في فتوح البلدان ح (١٤٤).
(٦) أخرجه أبو عبيد في الأموال ح) ٩١).
(٧) أخرجه أبو عبيد في الأموال (٢٢٣)، وابن زنجويه في الأموال (١/ ٣٨٦)، والبلاذري في فتوح البلدان (١٧٩).
(٨) أخرجه البخاري ح (١٣٩٢).

<<  <   >  >>