للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بدليل التطوعات، لأنّا لم ننه عن المبرة لمن لا يقاتلنا، قال الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} (الممتحنة: ٨) " (١).

ولئن كان الخلاف بين الفقهاء قوياً في بر أهل الذمة من أموال الزكاة المفروضة، فإنهم أجازوا دفع الكفارة الواجبة إلى أهل الذمة، بل قدمهم الكاساني فيها حتى على المسلم، لأنها "وجبت لدفع المسكنة، والمسكنة موجودة في الكفرة، فيجوز صرف الصدقة إليهم، كما يجوز صرفها إلى المسلم، بل أولى، لأن التصدق عليهم بعض ما يرغبهم إلى الإسلام ويحملهم عليه" (٢).

وأمر القرآن الكريم ورغَّب بالصدقة على غير المسلمين، فقد روى أبو عبيد أن بعض المسلمين كان لهم أنسباء وقرابة من قريظة والنضير، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم، يريدوهم أن يسلموا، فنزلت: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم} (البقرة: ٢٧٢) (٣).

وقد جاء في مراسيل سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصدق بصدقة على أهل بيت من اليهود، فهي تجري عليهم " (٤).

وعليه قد أجاز فقهاء الشريعة التصدق على أهل الذمة، يقول أبي رزين: كنت مع سفيان بن سلمة، فمر عليه أسارى من المشركين، فأمرني أن أتصدق عليهم، ثم تلا هذه الآية: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} (الإنسان: ٨).

يقول أبو عزيز بن عمير: كنت في الأسارى يوم بدر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «استوصوا بالأسارى خيراً»، وكنت في نفر من الأنصار، وكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني الخبز، بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم (٥).

كما أجاز الفقهاء الوقف لهم، واعتبروه من وجوه البر التي يحبها الله، يقول محمد بن الحسن الشيباني: "ويصح [الوقف] على أهل الذمة؛ لأنهم يملكون ملكاً محترماً، وتجوز الصدقة عليهم .. وإذا جازت الصدقة عليهم جاز الوقف عليهم كالمسلمين، وروي أن صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقفت على أخ لها يهودي، ولأن من جاز أن يقف عليه الذمي جاز أن يقف المسلم عليه كالمسلم، ولو وقف على من ينزل كنائسهم وبيعهم من المارة والمجتازين من أهل الذمة وغيرهم؛ صح" (٦).

وهذا كما رأينا بعض البر والعدل الذي حثَّ عليه القرآن الكريم، حين ذكر أهل الذمة المسالمين الذين لا يعتدون على المسلمين، فقال: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب


(١) المبسوط (٢/ ٢١٠).
(٢) بدائع الصنائع (٤/ ٢٦٢).
(٣) أخرجه أبو عبيد في الأموال ح (١٣٢١)، وابن زنجويه في الأموال ح (١٨٦٢) وصححه الألباني في تمام المنة (١/ ٣٨٩).
(٤) أخرجه أبو عبيد في الأموال ح (١٣٢٢)، وصحح الألباني إسناده إلى سعيد في تمام المنة (١/ ٣٧٨).
(٥) أخرجه الطبراني في معجمه الكبير ح (١٨٤١٠)، قال الهيثمي: "إسناده حسن" مجمع الزوائد (٦/ ٨٦)، ومثله مروي في تاريخ دمشق لابن عساكر عن الوليد بن الوليد بن المغيرة، وزاد أنهم "كانوا يحملوننا [أي على الدواب] ويمشون". تاريخ دمشق، ابن عساكر (٦٧/ ٩).
(٦) الشرح الكبير (٦/ ٢١٢).

<<  <   >  >>