للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المقسطين} (الممتحنة: ٨).

ويفصل الإمام القرافي في شرحه للبر والعدل المأمور به في معاملة غير المسلمين، فيقول: "وأما ما أمر به من برِّهم من غيرمودة باطنية، فالرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم .. وصون أموالهم، وعيالهم، وأعراضهم، وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم لجميع حقوقهم ... " (١).

ويقول القرشي المالكي في شرحه على مختصر خليل: "دفع الضرر وكشف الأذى عن المسلمين أو ما في حكمهم من أهل الذمة من فروض الكفايات، من إطعام جائع وستر عورة، حيث لم تفِ الصدقات ولا بيت المال بذلك" (٢).

ووفق هذا الهدي سلك أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعده، فكتب خالد بن الوليد - رضي الله عنه - لنصارى الحيرة: "وجعلتُ لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه؛ طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله" (٣).

وروى ابن زنجويه بإسناده أن عمر بن الخطاب رأى شيخاً كبيراً من أهل الجزية يسأل الناس فقال: (ما أنصفناك إن أكلنا شبيبتك، ثم نأخذ منك الجزية، ثم كتب إلى عماله أن لا يأخذوا الجزية من شيخ كبير) (٤).

وفي رواية أن عمر أخذ بيده وذهب به إلى منزله، فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: (انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} (التوبة: ٦٠) والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب)، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه (٥).

وكان مما أمر به رضي الله عنه: "من لم يطق الجزية خففوا عنه، ومن عجز فأعينوه" (٦).

ومر - رضي الله عنه - في الجابية على مجذومين من أهل الذمة، فأمر أن يعطوا من صدقات المسلمين، وأن يجرى عليهم القوت من بيت المال (٧).

وكتب الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز إلى واليه عدي بن أرطأة: "وانظر من قِبَلك من أهل الذمة قد كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب؛ فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه" (٨).

وقد سجل هذه الرعاية الفريدة المستشرق بارتولد في كتابه "الحضارة الإسلامية"،


(١) الفروق (٣/ ٢١).
(٢) شرح القرشي على مختصر خليل (٣/ ١٠٩).
(٣) أخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج (١٥١).
(٤) أخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج (١٥٠ - ١٥١)، وانظر الأموال (١/ ١٦٣).
(٥) أخرجه أبو يوسف في كتاب الخراج (١٥١).
(٦) تاريخ مدينة دمشق (١/ ١٧٨).
(٧) أخرجه البلاذري في فتوح البلدان ح (١٧٧).
(٨) أخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال ح (٩٤) وانظر: الأموال، ابن زنجويه (١/ ١٦٩).

<<  <   >  >>