للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقيمون في الدار التي يجري فيها حكم الله ورسوله" (١)، ومقصوده رحمه الله بجريان أحكام الإسلام أي العامة منها المتعلقة بشؤون الدولة والمجتمع ككل، وإلا فإنه لا يعرض لهم في خاصة أمورهم وما تعلق بدينهم من شرائع، كما سيأتي بيانه. قال المرداوي: "لا يجوز عقد الذمة إلا بشرطين: بذل الجزية والتزام أحكام الملة من جريان أحكام المسلمين عليهم .. يلزم أن يأخذوهم بأحكام المسلمين في ضمان النفس والمال والعرض وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه" (٢).

ولقد يعجب المرء وهو يتابع وسائل الإعلام تنفث سمومها حول هذا المصطح (أهل الذمة) حتى تخاله سُبة شنيعة، تطيش عند سماعه عقول كثيرين ممن لم يفهموا المعانى السامية والدقيقة التي تحملها هذه الكلمة، فأهل ذمة المسلمين هم - كما قال سليمان البجيرمي - أهل: "عهدهم وأمانهم وحرمتهم" (٣).

و (ذمة الله وذمة رسوله) وصف جميل يشتمل على الكثير من التكريم، وقد أمر به في حق المسلمين الذين عَهِد الله ورسوله بالكف عن دمائهم وأموالهم، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته» (٤) وكذلك فإن من ذمة الله التي يرقبها المسلم ما لا يعطاه إلا المؤمن الذي يصلي الفجر في جماعة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فيدركه فيكبه في نار جهنم» (٥)، فمن كان هذا حاله فهو في أمان الله وعهده وضمانه؛ فلا ينبغي أن يتعرض له أحد بالإيذاء.

وهذا المعنى الرفيق هو ما نريده حين نسمي مواطنينا غير المسلمين (أهل ذمة الله ورسوله)، أي لهم عهد من الله ورسوله بالأمان، فينبغي على كل مسلم رعايته وعدم التعرض لهم بالإيذاء، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من قتل معاهَداً له ذمة الله وذمة رسوله , فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين عاماً» (٦).

وبالعود إلى أصناف الكفار؛ فإن الصنف الثاني منهم (أهل العهد)، وهم الذين صالحهم إمام المسلمين أو هادنهم، قال ابن القيم: "أهل الهدنة فإنهم صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم، سواء كان الصلح على مال أو غير مال، لا تجري عليهم


(١) أحكام أهل الذمة (٢/ ٨٧٣ - ٨٧٤).
(٢) الإنصاف (٤/ ٢٢٢).
(٣) حاشية البجيرمي (٤/ ٢٦٣).
(٤) أخرجه البخاري ح (٣٩١).
(٥) أخرجه مسلم ح (٦٥٧).
(٦) أخرجه الترمذي ح (١٤٠٣) وابن ماجه ح (٣٦٨٧).

<<  <   >  >>