ولقد قام العقل الإسلامي في ميدان الفقه في فترة نشاط هذه الأمة وحيويتها بجهد رائع، ما زال يُعد تراثاً إنسانياً ثميناً إلى هذه اللحظة، رغم ما أصاب الأجيال المتأخرة من الجمود، وما أصاب الأجيال الأخيرة من الإعراض!.
والذي يطلع على هذا الفكر يدرك مدى شمول هذه الشريعة وحيويتها وقدرتها على مواكبة النمو البشري من جهة، ويدرك من جهة أخرى ما قام به العقل الإسلامي المفكر من فتوحات في هذا الباب، كانت كلها وليدة توجيهات الإسلام.
رابعاً: ترد في كتاب الله مجموعة من السنن التي يجري الله بها قدره في حياة البشر. وترد الإشارة المكررة بأن سنة الله لا تتبدل ولا تتغير، ولا تتوقف محاباة لأحد من الخلق. ويوجه العقل إلى تدبر هذه السنن من أجل إقامة المجتمع الصالح الذي يتمشى مع مقتضياتها ولا يصادمها.
فالحياة البشرية ابتداء ليست فوضى بلا ضابط. إنما يضبطها نظام رباني دقيق، يسير بحسب سنن ثابتة، ترتب نتائج محددة على السلوك البشرى في جميع أحواله. ومن ثم يستطيع الإنسان أن يتبين السلوك الصائب الذي ينبغي أن يسلكه، كما يتبين النتائج المتوقعة من سلوكه، لا رجماً بالغيب، ولكن تحقيقاً لسنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير.
وهذه السنن تتناول حياة الجماعة، فهي سنن اجتماعية في غالبها، أما ما يرد بشأن الفرد فغالباً ما يكون متعلقاً بالجزاء الذي يجزاه في الآخرة لقاء عمله في الدنيا، وإن كان بعض السنن يأتي فيه ذكر المفرد كقوله تعالى:(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) .