للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف يجوز أن يقال: إن في كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة الثابتة عنه ما يعلم زيد وعمرو بعقله أنه باطل؟ وأن يكون كل من اشتبه عليه شيء مما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - قدّم رأيه على نص الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أنباء الغيب التي ضلّ فيها عامة من دخل فيها لمجرد رأيه، بدون الاستهداء بهدي الله، والاستضاءة بنور الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه، مع علم كل أحد بقصوره وتقصيره في هذا الباب، وبما وقع فيه من أصحابه وغير أصحابه من الاضطراب؟.

ففي الجملة: النصوص الثابتة في الكتاب والسنة لا يعارضها معقول بَيّن قط، ولا يعارضها إلا ما فيه اشتباه واضطراب، وما علم أنه حق، لا يعارضه ما فيه اضطراب واشتباه لم يعلم أنه حق.

بل نقول قولاً عاماً كلياً: إن النصوص الثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يعارضها قط صريح معقول، فضلاً عن أن يكون مقدماً عليها، وإنما الذي يعارضها شبه وخيالات، مبناها على معان متشابهة وألفاظ مجملة، فمتى وقع الاستفسار والبيان ظهر أن ما عارضها شبه سوفسطائية، لا براهين عقلية. ومما يوضح هذا:

الوجه الثالث عشر: وهو أن يقال: القول بتقديم الإنسان لمعقوله على النصوص النبوية قول لا ينضبط، وذلك لأن أهل الكلام، والفلسفة الخائضين المتنازعين فيما يسمُّونه عقليات، كل منهم يقول: إنه يعلم بضرورة العقل أو بنظره ما يدعي الآخر أن المعلوم بضرورة العقل أو بنظره نقيضه.

وهذا من حيث الجملة معلوم؛ فالمعتزلة ومن اتبعهم من الشيعة يقولون: إن أصلهم المتضمن نفي الصفات والتكذيب بالقدر –الذي يسمونه التوحيد والعدل- معلوم بالأدلة العقلية القطعية، ومخالفوهم من أهل الإثبات يقولون: إن نقيض ذلك معلوم بالأدلة القطعية العقلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>