للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

بل الطائفتان ومن ضاهاها يقولون: إن علم الكلام المحض هو ما أمكن علمه بالعقل المجرد بدون السمع، كمسألة الرؤية والكلام وخلق الأفعال، وهذا هو الذي يجعلونه قطعياً، ويؤثمون المخالف فيه.

وكلٌ من طائفتي النفي والإثبات فيهم من الذكاء والعقل والمعرفة ما هم متميزون به على كثير من الناس؛ وهذا يقول: إن العقل الصريح دل على النفي، والآخر يقول: العقل الصريح دل على الإثبات.

وهم متنازعون في المسائل التي دلت عليها النصوص، كمسائل الصفات والقدر. وأما المسائل المولدة كمسألة الجوهر الفرد وتماثل الأجسام وبقاء الأعراض وغير ذلك ففيها من النزاع بينهم ما يطول استقصاؤه، وكل منهم يدعي فيها القطع العقلي.

ثم كل من كان عن السنة أبعد كان التنازع والاختلاف بينهم في معقولاتهم أعظم، فالمعتزلة أكثر اختلافاً من متكلمة أهل الإثبات، وبين البصريين والبغداديين منهم من النزاع ما يطول ذكره. والبصريون أقرب إلى السنة والإثبات من البغداديين، ولهذا كان البصريون يثبتون كون البارئ سميعاً بصيراً مع كونه حياً عليماً قديراً، ويثبتون له الإرادة، ولا يوجبون الأصلح في الدنيا، ويثبتون خبر الواحد والقياس، ولا يؤثمون المجتهدين، وغير ذلك. ثم بين المشايخية (١) والحسينية – أتباع أبي الحسين البصري- من التنازع ما هو معروف.

وأما الشيعة فأعظم تفرقاً واختلافاً من المعتزلة، لكونهم أبعد عن السنة منهم، حتى قيل: إنهم يبلغون اثنتين وسبعين فرقة.


(١) قال الأستاذ رشاد سالم –رحمه الله-: لم أجد فرقة من الفرق تدعى المشايخية، ويبدو أن ابن تيمية يشير إلى مشايخ المعتزلة البغداديين الذين خالفهم أبو الحسين البصري. وانظر: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي، ص ٤٥؛ الملل والنحل ١/١٠٧٨. وانظر أيضاً: المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري (ط. دمشق، ١٣٨٤/١٩٦٤) الفهرست: مادة شيوخكم (المعتزلة) ، شيوخنا البغداديون.

<<  <  ج: ص:  >  >>