للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك القول في العقليات المحضة كمسألة الجوهر الفرد، وتماثل الأجسام، وبقاء الأعراض، ودوام الحوادث في الماضي أو المستقبل أو غير ذلك، كل هذه مسائل عقلية قد تنازع فيها العقلاء، وهذا باب واسع، فأهل العقليات من أهل النفي والإثبات كل منهم يدعي أن العقل دل على قوله المناقض لقول الآخر، وأما السمع فدلالته متفق عليها بين العقلاء.

وإذا كان كذلك قيل: السمع دلالته معلومة متفق عليها، وما يقال إنه معارض لها من العقل ليست دلالته معلومة متفقاً عليها، بل فيها نزاع كثير، فلا يجوز أن يعارض ما دلالته معلومة باتفاق العقلاء، بما دلالته المعارضة له متنازع فيها بين العقلاء.

واعلم أن أهل الحق لا يطعنون في جنس الأدلة العقلية، ولا فيما علم العقل صحته، وإنما يطعنون فيما يدعي المعارض أنه يخالف الكتاب والسنة، وليس في ذلك – ولله الحمد – دليل صحيح في نفس الأمر، ولا دليل مقبول عند عامة العقلاء، ولا دليل لم يقدح فيه بالعقل.

الوجه السادس عشر: إن كل ما عارض الشرع من العقليات فالعقل يعلم فساده، وإن لم يعارض العقل، وما علم فساده بالعقل لا يجوز أن يعارض به لا عقل ولا شرع. وهذه الجملة تفصيلها هو الكلام على حجج المخالفين للسنة من أهل البدع بأن نبين بالعقل فساد تلك الحجج وتناقضها، وهذا –ولله الحمد- ما زال الناس يوضحونه؛ ومن تأمل ذلك وجد في المعقول مما يعلم به فساد المعقول المخالف للشرع ما لا يعلمه إلا الله.

الوجه السابع عشر: أن يقال: الأمور السمعية التي يقال: ((إن العقل عارضها)) كإثبات الصفات والمعاد ونحو ذلك، هي مما علم بالاضطرار أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاء بها، وما كان معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام امتنع أن يكون باطلاً، مع كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - حقاً، فمن قدح في ذلك وادعى أن الرسول لم يجئ به، كان قوله معلوم الفساد بالضرورة من دين المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>