الوجه الحادي والعشرون: أن يقال: الذي يعارضون الكتاب والسنة بما يسمونه عقليات من الكلاميات والفلسفيات ونحو ذلك إنما يبنون أمرهم في ذلك على أقوال مشتبهة مجملة تحتمل معاني متعددة ويكون ما فيها من الاشتباه لفظاً ومعنى يوجب تناولها لحق وباطل فبما فيها من الحق يقبل ما فيها من الباطل لأجل الاشتباه والالتباس ثم يعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وهذا منشأ ضلال من ضل من الأمم قبلنا وهو منشأ البدع فإن البدعة لو كانت باطلاً محضاً لظهرت وبانت وما قبلت ولو كانت حقاً محضاً لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة، فإن السنة لا تناقض حقاً محضاً لا باطل فيه لكن البدعة تشتمل على حق وباطل، والبدع التي يعارض بها الكتاب والسنة التي يسميها أهلها كلاميات وعقليات وفلسفيات، أو ذوقيات ووجديات وحقائق وغير ذلك، لابد أن تشمل على لبس حق بباطل وكتمان حق، وهذا أمر موجود يعرفه من تأمله، فلا تجد قط مبتدعاً إلا وهو يحب كتمان النصوص التي تخالفه، ويبغضها، ويبغض إظهارها وروايتها والتحدث بها، ويبغض من يفعل ذلك، كما قال بعض السلف: ما ابتدع أحد بدعة إلا نزعت حلاوة الحديث من قلبه. ثم إن قوله الذي يعارض به النصوص لابد له أن يلبس فيه حقاً بباطل، بسبب ما يقوله من الألفاظ المجملة المتشابهة.
الوجه الثاني والعشرون: أن يقال: إن هؤلاء الذين يدعون العقليات التي تعارض السمعيات هم من أبعد الناس عن موجب العقل ومقتضاه كما هم من أبعد الناس عن متابعة الكتاب المنزل والنبي المرسل وإن نفس ما به يقدحون في أدلة الحق التي توافق ما جاء به الرسول لو قدحوا به فيما يعارض ما جاء به الرسول لسلموا من التناقض وصح نظرهم وعقلهم واستدلالهم ومعارضتهم صحيح المنقول وصريح المعقول بالشبهات الفاسدة.