الوجه الثالث والعشرون: أن يقال: ما سلكوه من معارضة النصوص الإلهية بآرائهم هو بعينه الذي احتج به الملاحدة الدهرية عليهم في إنكار ما أخبر الله به عباده من أمور اليوم الآخر، حتى جعلوا ما أخبرت به الرسل عن الله وعن اليوم الآخر لا يستفاد منه علم، ثم نقلوا ذلك إلى ما أمروا به من الأعمال: كالصلوات الخمس، الزكاة، والصيام، والحج، فجعلوها للعامة دون الخاصة، فآل الأمر بهم إلى أن ألحدوا في الأصول الثلاثة التي اتفقت عليها الملل، كما قال تعالى:(إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) . فأفضى الأمر بمن سلك سبل هؤلاء إلى الإلحاد في الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، وسرى ذلك في كثير من الخائضين في الحقائق، من أهل النظر والتأله من أهل الكلام والتصوف، حتى آل الأمر بملاحدة المتصوفة كابن عربي صاحب ((فصوص الحكم)) وأمثاله إلى أن جعلوا الوجود واحداً، وجعلوا وجود الخالق هو وجود المخلوق، وهذا تعطيل للخالق.
وحقيقة قولهم فيه مضاهاة لقول الدهرية الطبيعية الذين لا يقرون بواجب أبدع الممكن، وهو قول فرعون، ولهذا كانوا معظمين لفرعون. ثم إنهم جعلوا أهل النار يتنعمون فيها، كما يتنعم أهل الجنة في الجنة، فكفروا بحقيقة اليوم الآخر، ثم ادّعو أن الولاية أفضل من النبوة، وأن خاتم الأولياء – وهو شيء لا حقيقة له – زعموا أنه أفضل من خاتم الأنبياء، بل ومن جميع الأنبياء، وأنهم كلهم يستفيدون من مشكاته العلم بالله، الذي حقيقته عندهم أن وجود المخلوق هو وجود الخالق.
وكان قولهم كما يقال لمن قال: فخر عليهم السقف من تحتهم، لا عقل ولا قرآن، فإن المتأخر يستفيد من المتقدم دون العكس، والأنبياء أفضل من غيرهم، فخالفوا الحس والعقل مع كفرهم بالشرع.