الوجه الرابع والعشرون: أن يقال: معارضة أقوال الأنبياء بآراء الرجال، وتقديم ذلك عليها، هو من فعل المكذبين للرسل، بل هو جماع كلّ كفر، فإن الله أرسل رسله، وأنزل كتبه، وبيّن أن المتبعين لما أنزله هم أهل الهدى والفلاح، والمعرضين عن ذلك هم أهل الشقاء والضلال.
كما قال تعالى:(قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)
وقال تعالى:(يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
وقد أخبر عن أهل النار أنهم إنما دخلوها لمخالفة الرسل، قال تعالى:(ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) إلى قوله: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) .
وقال تعالى:(وسيق الذين كفروا إلى جنهم زمراً حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسلٌ منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) .
وقال تعالى:(كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير. قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ فكذبنا وقلنا ما نزّل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير) .
ومعلوم أن الكلام الذي جاءت به الرسل عن الله نوعان: إما إنشاء وإما إخبار والإنشاء يتضمن الأمر والنهي والإباحة، فأصل السعادة تصديق خبره، وطاعة أمره، وأصل الشقاوة معارضة خبره وأمره بالرأي والهوى، وهذا هو معارضة النص بالرأي، وتقديم الهوى على الشرع.