ولهذا كان ضلال من ضل من أهل الكلام والنظر في النوع الخبري، بمعارضة خبر الله عن نفسه وعن خلقه بعقلهم ورأيهم، وضلال من ضل من أهل العبادة الفقه في النوع الطلبي، بمعارضة أمر الله الذي هو شرعه بأهوائهم وآرائهم.
والمقصود هنا أن معارضة أقوال الرسل بأقوال غيرهم من فعل الكفّار، كما قال تعالى:(ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد) إلى قوله: (وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب) .
وقال تعالى:(وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق) . وقوله تعالى:(ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا) مصدق لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مراء في القرآن كفر)) .
ومن المعلوم أن كل من عارض القرآن، وجادل في ذلك بعقله ورأيه، فهو داخل في ذلك، وإن لم يزعم تقديم كلامه على كلام الله ورسوله، بل إذا قال ما يوجب المرية والشك في كلام الله، فقد دخل في ذلك، فكيف بمن يزعم أن ما يقوله بعقله ورأيه مقدّم على نصوص الكتاب والسنة؟ ! .
وقال تعالى:(إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كِبر ما هم ببالغيه) . وقال:(الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) . والسلطان هو الكتاب المنزل من السماء، كما ذكر ذلك غير واحد من المفسرين وشواهده كثيرة كقوله تعالى:(أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم بما كانوا به يشركون) وقوله: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) .... فمن عارض آيات الله المنزلة برأيه وعقله من غير سلطان أتاه، دخل في معنى هذه الآية.
وهذا مما يبيّن أنه لا يجوز معارضة كتاب الله إلا بكتاب الله، لا يجوز معارضته بغير ذلك.